أبوظبي (الاتحاد)

مظلومة كثيراً الثقافة في الإعلام العربي. مساحتها محدودة، مغلوبة على أمرها، محصورة أحياناً في قضايا تجاوزها الزمن. هي شبه غائبة مقارنة بالفن والرياضة والسياسة والشؤون المحلية. سيقول البعض هذه هي اهتمامات الناس الحقيقية، فما وجه العجب.؟!. .. 
في الحقيقة الأمر ليس كذلك بالضبط، لأنه حتى في الهامش المتاح يبدو الأداء المهني بحاجة للمراجعة، من أجل مزيد من الموضوعية والجدية وسعة الرؤية وضبط البوصلة. 
تعاني الصحافة الثقافية، تقريبا، من نفس المتلازمة التي تلقي بظلالها عادة على دوائر المثقفين والثقافة في العالم العربي، حيث الشللية صوتها أعلى، والموهوبون يناضلون باستماتة لإثبات الذات، والجديد في الثقافة العالمية، يصل متأخرا أو قد لا يصل على الإطلاق.
هنا بالتحديد تكمن فجوة كبيرة تعاني منها الصحافة العربية.. عروض الكتب الجديدة.. إذ بينما تحتفي الميديا الغربية بصناعة الكتب، وبكل ما يصدر من المطابع .. يبذل القراء العرب جهدا كبيرا للتعرف على أي كتاب جديد.
طبعا هناك مراجعات نقدية تظهر هنا أو هناك، لكنها في الإجمال محدودة، وغالبا ستتركز حول الكتب السياسية، وبالتأكيد ستكون للكتب الصادرة بالإنجليزية.
يضع هذا التجاهل القارئ العربي فيما يشبه الغرفة المظلمة.. فهو لن يعرف على الأرجح أفضل وأحدث الكتب التي تصدرها المطابع  في العالم الغربي، ولن يتعرف على الأفكار الكبرى والنقاشات العامة التي تثيرها تلك الكتب الجديدة بكل مجال، ناهيك أيضا عن أنه لن يدري كثيرا بالكتب المحدودة التي تصدرها مطابع ربما كانت على مرمى حجر من بيته.
على الضفة الأخرى، تمثل مراجعات الكتب خدمة إعلامية بالغة الأهمية في معظم المنصات الإعلامية في الغرب. بل أن بعضها يخصص لها صفحات أسبوعية أو ملاحق شهرية،  أو مجلات متخصصة .. كلها هدفها إطلاع القارئ على أحدث الكتب. 
وفي وقت يطغى اللايقين على الثابت من الأمور، وتتنازع المجتمعات العربية تيارات وتقلبات وموجات عاتية من الأزمات، تبدو الثقافة في الصحافة مهمة الآن أكثر من أي وقت مضى.
لكن للأسف الشديد، الصحافة العربية في معظمها الآن في حالة انشغال تام.. إنها تدور في محور الشخصيات وليس الأفكار والموضوعات والقضايا.. التركيز الأكبر في الميديا العربية يتمحور عادة - في كل مجتمع- حول شخصيات بعينها وقضايا محددة .. وما عدا هؤلاء، لا حضور لهم .. وهذا وضع خطير لأنه هو بمثابة تجفيف لمنابع الفكر والثقافة والأفكار المهمة جدا لأي مجتمع .. كما لو أنه تم مصادرة الفضاء العام لصالح نادي محدود الأعضاء من المثقفين والكتاب والمشاهير في كل مجال. هؤلاء يتم باستمرار إعادة تدويرهم على مدار الساعة.. فكأن الإعلام العربي في معظمه يدور في فلك ضيق للغاية.. كما لو أن المجتمعات العربية في حالة تصحر فكري شديد. مما جعل الكلمة العليا للتسلية والترند والتراشقات العبثية.
طبعا ليس الإعلام وحده هو المسؤول عن هذا الوضع.. فجزء كبير منه تتحمله صناعة الثقافة العربية التي استنزفتها للغاية معارك مختلفة في السنوات الأخيرة، استنفدت طاقتها حتى غيبتها. فقليلة جدا الكتب الصادرة حديثا، وأغلبها روايات ومذكرات متقاعدين. ومع غياب جيل المثقفين العظام، وتراجع القضايا الحقيقية المصيرية التي كانت مطروحة بقوة في سنوات تأسيس الدولة  العربية الحديثة، تاهت الثقافة والعلوم وأهلهما تدريجيا.
لكن الثقافة العالمية بخير، ويتعين على الإعلام العربي أن ينظر إليها ويستفيد منها بقدر أكبر مما هو حاصل لسد فراغ واقع، أو للمساعدة في إحداث نهضة ثقافية حقيقية أو لضخ دماء جديدة وأفكار مختلفة يمكنها مقاومة التيارات الظلامية.
فقطاع عريض من الجمهور متعطش للتعرف على أهم ما يشغل العالم خارج حدود السياسة والرياضة. إنهم عصب المجتمع. أطياف واسعة من الشباب والكبار المتعلمين الباحثين بنهم عن مزيد من المعرفة بالتواصل المكثف مع العالم من حولهم. فهل يمنحهم الإعلام نافذة أكبر؟