خولة علي (دبي)

يُعتبر التنمُّر بين الطلبة في المدارس الأكثر شيوعاً، وأثره النفسي يلازم الطفل حتى عندما يكبر ويؤثِّر على مساره التعليمي. وعندما يصار إلى تفعيل الصداقة كقيمة أخلاقية بين الأطفال، سرعان ما تنقشع ظاهرة التنمُّر وتتلاشى تماماً ليبقى الترابط والمحبة. ولتحقيق ذلك لا بد من التعاون فيما بين البيت والمدرسة والمجتمع والمحتوى الإعلامي. 
ذكرت فاطمة علي الظنحاني، اختصاصية اجتماعية، أن مفهوم الصداقة بين الأطفال شائع، لكنه قد يكون وقتياً أو يستمر بحسب تلاقي الطفل مع أقرانه. وتسهم هذه الصداقة في تعزيز الثقة بالنفس، حيث يعمد الطفل إلى قياس مدى تأثيره على أقرانه، وقد تطغى إحدى الشخصيات على الأخرى، ويُلاحظ تسلط أحد الأطفال على الجماعة بحسب السمات الشخصية والفروق الفردية. كما تحتل الغيرة والمنافسة حيزاً كبيراً لدى الطفل في تغذية جانب التنمُّر، والرغبة في السيطرة والتحكُّم.
وأشارت فاطمة إلى أنه يمكن إيقاف سلوك التنمر بين الأطفال، بتبادل أدوارهم حتى يشعروا بالأمان بوجود صديق قوي يمكنه الدفاع عنهم وقت الحاجة. ومن المهم تنمية شعور الطفل بالتسامح وأهمية تبادل المعرفة واللعب، وهنا يظهر مدى تأثير الصديق المتنمِّر على الأطفال وقد يكون أشد أذى عن تنمُّر الغرباء، ويؤدي بالطفل إلى الاكتئاب والحزن والوحدة. وإذا لم يُعالج، قد يُحدث فقدان الثقة بالعلاقات الاجتماعية مستقبلاً والاتجاه إلى العزلة الاجتماعية. وأشارت إلى أنه على الآباء والمربين دور كبير في ملاحظة الأطفال ومدى تقبلهم واندماجهم مع الأطفال الآخرين، عبر التشجيع والتحفيز على اللعب التبادلي، ومنحهم فرصة للتعبير عن المشاعر بالحوار الوالدي للتعرف أكثر على مدى شعور الطفل بالأمان.

قيمة رادعة
وأوضحت الدكتورة منيرة رحماني، مستشارة في التفكير الإبداعي، أن التنمُّر ظاهرة منتشرة بشكل أكبر بين الأطفال من البالغين، وذلك لقلة الوعي. والصداقة الجيدة أهم ما يُصلح الأمر، لأن الطفل يتعلم الكثير ممن حوله ويتبادل الخبرات مع أصدقائه، فإن صادق الشخص الخلوق، ينعكس الأمر بشكل مباشر على سلوكياته وأفعاله. ومن الضروري جداً انتقاء الأصدقاء بمعايير لا تتنافى مع القيم، وعلى كل أسرة أن تقوم بتوعية الأبناء بما يتوجب فعله في حال تعرضهم لموقف مُسيء، ومحاولة فهم أسباب تنمُّر الآخرين، واللجوء إلى أشخاص ثقة لمناقشتهم، ما يساعد على التخلص من آثار التنمُّر. واعتبرت أن سرد القصص مفيد، وكذلك دور المدرسة للتوعية من خلال الأنشطة الجماعية والفعاليات والدروس التي تتكلم عن الأخلاق والتعاطف والتسامح، والتي حين تُغرس في الصغر، تبقى طوال العمر.

مبادرة
شبكة «كرتون نت وورك» في منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، كانت أطلقت مبادرة «كن صديقاً لا تتنمَّر» مستهدفة عدداً من المدارس في الدولة. وتحدث محمد شيحة رئيس التسويق الرقمي والاتصالات في وارنر ميديا الشرق الأوسط، عن التعاون مع اليونسيف والخبراء في المجال التربوي والنفسي، لتقديم ورش وبرامج تضم طرقاً عملية لمكافحة التنمُّر مع التأكيد على أهمية الصداقة كقيمة أخلاقية لنبذ هذه الظاهرة وتشجيع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و12 عاماً، على انتهاج شعار المبادرة. وقال: لقد غطينا قرابة 50 مدرسة منذ إطلاق المبادرة عام 2019، ونواصل برامجنا، مع الحرص على تقديم محتوى رقمي كرتوني غنائي لدعم المبادرة، مثل أغنية «لنكن أصدقاء»، أداء الفنان الكويتي حمود الخضر. وتهدف إلى تشجيع الأطفال على الصداقة ونبذ التنمُّر، وحققت مشاهدات عالية على قناة اليوتيوب.

ملاحظة العوارض
واعتبر الدكتور عبدالرحمن البقيشي (ولي أمر) أنه من حق الجميع التواجد في بيئة آمنة ومُحبة للخير، لذلك يجب الحرص على تبادل المشاعر والكلمات الطيبة المشجعة، وترك التنمُّر بشتى أشكاله، من التعدي الجسدي أو اللفظي أو الإلكتروني. وأكد البقيشي على الخطوة المهمة التي قامت بها «كرتون نتوورك» بإطلاق مبادرة الصداقة، لافتاً إلى أنها تساهم في تعزيز جوانب مهمة لدى الطفل ونبذ التنمُّر المشين. وذكر أنه على الأهالي توعية أبنائهم بمعنى التنمُّر وأشكاله سواء اللفظي أو الجسدي أو الرقمي، ليتعلموا كيف يواجهونه ويعبرون عنه، وملاحظة العوارض التي قد تدل على تعرض الطفل للتنمُّر، كرفض الذهاب إلى المدرسة. 
وذكر البقيشي أن كلمة التنمُّر لم تكن متداولة في مجتمعاتنا سابقاً، ولكنها في الوقت الحاضر أصبحت ظاهرة مؤلمة، ولها آثار عكسية على الأفراد والأطفال.

البيئة الأسرية
وترى سندية الزيودي (ولية أمر)، أن لجوء الطفل إلى التنمُّر على أقرانه يعود إلى البيئة الأسرية، لأنها النواة الأساسية في تشكل سلوك الأبناء وتربيتهم وصقل شخصيتهم. وذكرت أنه على الأسرة معالجة التنمُّر بهدوء، وعدم الاستعجال في الحكم على سلوك الطفل ووصفه بالمتنمِّر قبل دراسة المشكلة التي قد تكون بسبب ضعف الترابط الأسري والعدوانية وفقدان حنان الوالدين أو أحدهما. ومن المهم معالجة التنمُّر بتعزيز الثقة بالنفس لدى الأبناء، واتباع الطرق السليمة في تربيتهم ومراقبتهم، ومساعدتهم على اختيار الأصدقاء الإيجابيين، ما يشكل دافعاً للنجاح. وقالت: أنا كولية أمر، أسعى إلى غرس قيم التسامح، وتعزيز الصداقة كصفة أخلاقية فيما بين أبنائي، ومع أقرانهم في المدرسة.

كيفية التصرف
للأطفال من طلبة المدارس رأي في كيفية التصدي للتنمُّر بتعزيز مفهوم الصداقة. وتحدثت هيام فهد الحساني (12 عاماً) في الصف السابع، مدارس النخبة، عن تجربتها في تقديم مبادرة «أوقفوا التنمُّر» لمحاربة هذه الظاهرة ونشر الوعي المجتمعي. وقالت: أقدم دائماً النصح لزميلاتي حول كيفية التصرف مع الشخص المتنمِّر، والتصدي له وكيفية التصرف مع الأشخاص الذين يتعرضون للتنمُّر في المدرسة أو المنزل أو في أي مكان آخر. وأسعى إلى نشر ثقافة الصداقة لأهمية دور الأصدقاء في الدعم النفسي والتغلب على المخاوف، بهدف حماية الجيل الجديد من المشاعر السلبية التي يولدها التنمُّر.