لكبيرة التونسي (أبوظبي)

يعكس سوق السمك في مهرجان التراث البحري ما يزاوله المجتمع من صيادي الأسماك من مهارات تقليدية، كانت وما زالت تغذي المدينة بأجود خيرات البحر بالتعاون مع جمعية أبوظبي التعاونية لصيادي الأسماك، حيث تلقي هذه المساحة الضوء على هذا الإرث الغني من خلال مزاد الأسماك وسوق الأسماك الطازجة وأمهر الطهاة وألمع منتجي المأكولات البحرية وورش تنظيف وتمليح وتتبيل الأسماك، يومياً من الرابعة عصراً، حيث تقدم للزوار تجربة مماثلة للسوق في ميناء زايد، بشراء السمك الطازج وتنظيفه وشيّه في عين المكان.
يحتفي المهرجان الذي تنظمه دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي بعناصر التراث البحري كصناعة الأشرعة وبناء السفن والصيد وطرق إعداد السمك «المالح» والغوص بحثاً عن اللؤلؤ، بما يعكس بيئة وتاريخ أهل الساحل في الإمارة، موفراً تجارب متفردة لعشاق البحر، ومتيحاً فرصة كبيرة للغوص في ثقافة أساسية في حياة أهل أبوظبي ارتبطت بذاكرتهم.

نجاح كبير
وتتواصل فعاليات النسخة الأولى من المهرجان «من 18 إلى 27 مارس الجاري» في «عَ البحر» على كورنيش العاصمة بنجاح كبير، حيث صممت عناصر المهرجان بدقة متناهية للاقتراب من الثقافة الإماراتية البحرية والتفاعل معها في مكان واحد، بما فيها الاستعراضات والحرف والورش وعروض الأداء والمأكولات وحكايات قل ما تجتمع في مكان واحد، حيث يأخذ الحدث زواره في رحلة إلى عمق حكايات الماضي وما ارتبط بها من تحديات وعادات وتقاليد ومواقف إنسانية ويعيد تمثيل المشاهد التي ما زالت عالقة في الذاكرة، منها مشهد سوق السمك وما يرتبط به من مهن تراثية متأصلة ومفردات مثل مهنة «الدلال» وشيّ الأسماك على الطريقة التقليدية وتمليح الأسماك في أجواء تحاكي سوق الأسماك في أبوظبي.

تجربة 
محمد حسن المرزوقي مدير المتابعة العامة ومسؤول عن سوق السمك في المهرجان، قال إن السوق يوفر تجربة متكاملة من معاينة السمك واختياره وتنظيفه وشيه، حيث تتاح للناس فرصة الاستمتاع، أو الشراء من السوق واختيار أجود الأسماك أو غيرها من ثمار البحر وسيقوم تجار السمك بتنظيفه وبشيه على الطريقة التقليدية الإماراتية أو بطرق اختيارية مستعملين أفضل البهارات، بطريقة تستحضر زمن الفرجان، حيث تضفي العرشان والمتجولون وهم يعيديون تمثيل المشاهد طبيعة خاصة على السوق الذي كان في السابق محاذياً للساحل، ويشتمل على عدة منتجات إلى جانب الأسماك، ومنها اللومي اليابس والبهارات والسمك المجفف مثل العومة والنيسر وسواها والمخللات.

تكامل
ويتضمن السوق محلين لبيع السمك المجفف و4 طاولات تنظيف وشوايتين، و3 طاولات تمثل «صالة المزاد»، حيث أشار المرزوقي إلى أن دور السوق ليس فقط عرض الأسماك، إنما يقوم أيضاً بدور تثقيفي من خلال استقبال الزوار وتقدم أجوبة على تساؤلاتهم ومعلومات على الأسماك الموسمية والمحلية وإيصال المعلومة بشكلها الصحيح، مع شرح عن كيف كان الأجداد يحافظون عليها من التلف، وطريقة التجفيف الأسماك، كانت تختلف من موسم لآخر. 

استمتع
وأوضح المرزوقي أن الصيد احتل مكانة كبيرة لدى أهل الإمارات، وكان يشكل أهم مصدر للدخل وارتبطت به مهن متجذرة بعمق في الثقافة، مؤكداً أن إمارة أبوظبي تحتضن معظم مصايد الإمارات، كونها تضم النسبة الأكبر من المساحة البحرية للدولة، موضحاً أن سوق السمك يعتبر من أبرز الأسواق الشعبية، كونه يحظى بشهرة واسعة ويستقبل العديد من الزوار يومياً منذ ساعات الصباح الباكر، ويتميز بتشكيلة كبيرة من الكائنات البحرية الطازجة المعروضة للبيع فيه والأسماك المحلية، حيث يعتبر وجهة مفضلة لعشاق السمك الطازج يومياً وعلى مدار الأسبوع، بينما تزيد هذه الحركة خلال عطلة نهاية الأسبوع.

الدلال
مشاهد حية، يحييها سوق السمك في المهرجان بمفرداته التي تم اختيارها بعناية فائقة، حيث يوفر بيئة متكاملة من جلب الأسماك إلى الدلالة، يقدمها المرزوقي بشكلها الأصلي، حيث يسمح للزوار بالاستمتاع بالأجواء الحيوية في مزاد السمك، ومشاهدة كيف كان الأولون يقومون بهذه الخطوات، مؤكداً أن سير عمل الدلال هو نفسه وليس هناك فرق بين الماضي والحاضر، من مراعاة الجودة، وبداية مراسم «الدلالة»، حيث يأتي الصياد الذي يعرف وقت المزاد، ويفرز سمكه ويبدأ الدلال بالمزاد ويشتري الصيادون الأسماك أو عامة الناس، حيث يكون المزاد مفتوحاً، للتاجر والمستهلك ممن يرغبون في شراء السمك طازجاً، ومن ميزات الدلال أن يكون قوي الملاحظة، يحدد بالنظر كمية الأسماك وجودتها.

أجواء خاصة
يوفر السوق أكشاكاً مخصصة لتنظيف الأسماك، حيث يتسنى للزبائن تنظيف ما اشتروه من الطاولات المكسوة بالثلج، وأيضاً تقطيعه حسب رغبتهم، ويضم السوق كذلك قسماً لشواء الأسماك يتماشى مع أعلى معايير النظافة، إذ يستطيع الزوار شيّ الأسماك الطازجة التي ابتاعوها بالتوابل الشهية من اختيارهم مقابل أسعار تنافسية مناسبة للجميع، مما يضفي أجواء خاصة على المهرجان تلامس الحواس الخمس، حيث قال إيريك باتيل السائح الفرنسي إنه معجب بفكرة المهرجان وبالمشاهد الحقيقية، مؤكداً أن الفكرة غير تقليدية، فقد قربت سوق السمك للزائر، حيث يمكنه مشاهدة وشراء وشوي الأسماك وتناولها ضمن أجواء تضع الزائر في قلب الحدث وكأنه يعيش خارج الزمان، كما أبدى إعجابه بالشخصيات التي تقوم بأداء أدوار تمثيلية تحاكي طريقة العيش في السابق، حيث يتجولون في المكان وهم يحملون الإضاءة القديمة «الفنر» أما الأطفال فيلعبون ويركضون بأزيائهم التراثية.