محمد قناوي (القاهرة) «نجمة الجماهير»، هو اللقب الذي ظل يسبق اسم نادية الجندي على أفيشات وفي تترات أفلامها على مدى أكثر من 20 عاماً، وهو اللقب الذي قيل إن أحد منتجي أفلامها أطلقه عليها بعد أن أصبحت نجمة الشباك الأولى في السينما المصرية، وقيل أيضاً إنها هي التي أطلقت اللقب على نفسها، وبعيداً عن لقبها المثير للجدل، لا يختلف اثنان على أن نادية الجندي تعد حالة خاصة جداً في السينما المصرية والعربية، ففي عالم السينما العالمية يعتمد شباك التذاكر - دائماً - على النجوم الرجال، لكن نادية استطاعت بإصرارها وبكم هائل من التحدي في داخلها أن تكسر هذه القاعدة وأن تكون نجمة شباك وصاحبة أعلى الإيرادات وتنافس بقوة النجوم الرجال وتتفوق عليهم أحياناً، ومن هنا يرى بعض النقاد أن طموح هذه النجمة لم يكن فقط طموحاً فنياً، بل ثورياً.. ورغم اختلاف النقاد وجمهور النخبة حول أفلامها، ستظل هي وأفلامها جزءاً لا يمحى ولا يمكن تجاهله في تاريخ السينما المصرية.

نجمة الجماهير

احتفاظ نادية الجندي بلقب «نجمة الجماهير» على مدى عشرين عاماً، إن دل فهو يدل على اختيار واعٍ من الجماهير وعلى فنانة ذكية وقوية ومبهرة.. فمنذ بدايتها الحقيقية بـ «بمبة كشر» استطاعت أن تخلق حالة من التواصل مع الجمهور، وكأن هناك ميثاقاً يلتزم به الطرفان، كان عليها أن تلتزم بحسن الاختيار لموضوعات تعكس اهتمامات الشارع العربي، وعلى الجانب الآخر يلتزم الجمهور بمعايشة أحداث أفلامها، فيتأثر بالشخصيات التي تقدمها ويبادلها نبضاً بنبض ليبعث فيها إحساساً يحفزها على البحث وتقديم أفلام أخرى. تعد نادية الجندي أعلى نجمة في سعر تسويق أفلامها في تاريخ السينما المصرية والعربية، فأفلامها حققت أعلى الإيرادات في مصر والعالم العربي، فذكاء نادية الجندي وحسها المرهف جعلها دائماً في سعي لتقديم ما هو جديد ويهم رجل الشارع العادي.. فجاءت اختياراتها دائماً معبرة عن أذواق الجماهير ورغباتها. شخصيات متنوعة وقدمت نادية الجندي خلال مشوارها الفني أكتر من 55 فيلماً سينمائياً أثار معظمها إعجاب المشاهدين وأشبع رغباتهم، ففي أفلامها مثلاً تصعد الخادمة درجات السلم الاجتماعي لكي تصبح سيدة القصر، أو تتحول فتاة الحي الفقيرة إلى أكبر معلمة في عالم المخدرات أو دنيا السلاح، أو تنقلب المرأة التي أوشكت على خيانة وطنها إلى فدائية. نجوم السينما المصرية وإذا كان لكل عمل درامي مفاجآت، فإن نادية الجندي كانت قمة هذه المفاجآت بقبولها أدواراً صعبة متعددة المراحل، تتطلب منها الدخول والخروج من أكثر منطقة درامية معقدة، وهي من أجل هذا الهدف وقفت أمام الكاميرات في مواجهة معظم نجوم السينما المصرية منذ عهد فتيانها الأُوَل: رشدي أباظة، وعماد حمدي، وكمال الشناوي، وأحمد مظهر، ومحمود مرسي، ويحيى شاهين، وشكري سرحان، ويوسف وهبي، وأحمد زكي، ومحمود ياسين، وعادل إمام، ومروراً بمحمود حميدة، ومصطفى فهمي، وممدوح عبد العليم، وفاروق الفيشاوي، ثم جمال عبدالناصر، وأحمد عبد العزيز وحتى محطة فيلمها الأخير الرغبة مع الفنان ياسر جلال.

رحلة الصعود

ولدت نادية الجندي، أو نادية محمد عبد السلام الجندي، كما هو مدون في بطاقتها الشخصية، في الرابع والعشرين من شهر مارس عام 1945، وكان لدى الفتاة الجميلة استعداد للتضحية من أجل الوصول للهدف «النجومية، وفي سن مبكرة لم تتجاوز الخامسة عشرة من العمر تم اختيارها «ملكة جمال الشاطئ» وبعد وقت قليل قررت التوجه إلى هوليوود الشرق «القاهرة».. جاءت نادية إلى القاهرة وكانت الفتاة الصغيرة تتخيل أن الطريق سيكون مفروشاً بالورود، ولكن بعد وقت قصير أدركت أن كل خطوة نحو سلم المجد لها ثمن غال، سواء من حريتها أو حياتها الشخصية، أو حتى على حساب سعادتها. تتذكر الجندي البدايات، فتقول: إنها لم تكن تحلم بأي شيء في حياتها سوى التمثيل، ولم يكن التمثيل كمهنة ولا حتى موهبة، بل لأنها كانت تشاهد نجمات السينما الكبار على الشاشة، فقررت أن تمثل شخصية «شهرزاد»، وهي تلميذة في مدرسة الإسكندرية الابتدائية.. وبدأت نادية الجندي مشوارها بمجموعة من الأدوار الثانوية وكان أول أدوارها في فيلم «جميلة» 1960 من إخراج يوسف شاهين، ثم قدمت «عاصفة من الحب»، و«ألمظ وعبده الحامولي» مع وردة، و«الحب الخالد» مع حسن يوسف، و«أيام ضائعة» مع عماد حمدي، و«الخائنة» مع محمود مرسي، و«صغيرة على الحب» مع رشدي أباظة، و«فارس بني حمدان» مع سعاد حسني، ثم قدمت «ميرامار» مع شادية عام 1969... وفي هذا الفيلم قدمت دوراً لفت إليها الأنظار، وأكدت مقدرتها على أداء دور الراقصة «صفية»، فأشاد بها النقاد، وانتظرت الفرج، ولكن جاءت أزمة السينما في نهاية الستينيات لتخيب آمالها من جديد، فتضطرها الظروف إلى التنقل بين لبنان وتركيا مع غيرها من الفنانين المهاجرين بحثاً عن فرصة عمل. طموح كبير ذكاء نادية كان سلاحها الثاني بعد جمالها، إلا أنه ساهم أيضاً في تأخرها لأن الكثيرين من المحيطين بها كانوا يخشون من طموحها الجارف ويتعاملون معه على أنه أمر غير مشروع ولا يتناسب مع إمكاناتها في ذلك الحين، دون أن يدركوا أنها ستجلس على عرش السينما المصرية في يوم من الأيام، بل وستكون حديث الصباح والمساء في أروقة أهل الفن والسياسة.

أما المحطة الأهم والأكثر سرعة في صعود نادية الجندي، فكانت بعد زواجها من محمد مختار، ذلك الرجل الذي يحمل ملامح أرستقراطية ويعمل ملحقاً بوزارة الخارجية، ولكنه بعد أن وقع في حب نادية فقدم استقالته بعد أن أقنعته بتأسيس شركة للإنتاج السينمائي ليبدأ ثنائي جديد استفادت منه السينما المصرية كثيراً.. وبدأت نادية تنفرد بأفيشات السينما عبر سلسلة من الأعمال المميزة التي انتجها مختار ومنها «الباطنية - وكالة البلح - خمسة باب - أمن دولة - شبكة الموت - الإرهاب - عصر القوة - ملف سامية شعراوي». قدمت نادية الجندي خلال مشوارها الفني الطويل والممتد ما يقرب من 55 فيلماً، وخلال هذا المشوار واجهت العديد والعديد من التحديات والعقبات، لكنها انتصرت عليها جميعاً وتغلبت على كل معوقاتها لتصل إلى ما وصلت إليه واستطاعت أن تحقق الكثير من طموحاتها وأحلامها، وسواء اتفق النقاد أو اختلفوا حول مكانتها ومستوى أفلامها، إلا أنها أصبحت بأفلامها ومكانتها كفنانة جزءاً رئيساً ومهماً في تاريخ السينما المصرية والعربية. مراحل فنية يمكن أن نقسم مشوار «نادية» إلى ثلاث مراحل، المرحلة الأولى: استمرت على مدى ما يزيد على ما يقرب من 13 عاماً وفيها قدمت الأدوار الصغيرة أو الهامشية في كثير من الأحيان والدور الثاني في قليل من الأحيان، وقبل أن تنتهي هذه المرحلة تزوجت الفنان عماد حمدي الذي كان يكبرها كثيراً أثناء مشاركتها في فيلم «زوجة من الشارع» الذي كان يقوم ببطولته، وكان الزواج الأول في حياتها، وظهرت معه في فيلمين هما: «الحب الخالد» و«أيام ضائعة»، وانتهت هذه المرحلة بسفرها إلى لبنان والأفلام التي قدمتها هناك، والتي غلب طابع الإغراء على أدوارها في هذه الأفلام التي نذكر منها: فندق السعادة»، «الضياع»، «أمواج»، وأثمر زواجهما عن ابنها الوحيد هشام. أما المرحلة الثانية، وهي المرحلة الأهم في مشوارها الفني لأنها أطلقتها كنجمة وبطلة، فتبدأ من الفيلم الذي أطلق نجوميتها وهو «بمبة كشر» عام 1974 حتى منتصف الثمانينيات تقريباً، وهذه المرحلة هي مرحلة النجومية والانتشار والازدهار وتنوع الأدوار والوصول إلى نجومية شباك التذاكر والإيرادات، أما المرحلة الأخيرة، فهي التي يمكن تسميتها بمرحلة القضايا، حيث قدمت خلالها مجموعة من الأفلام التي تحمل قضايا سياسية واجتماعية مهمة، وبدأت هذه المرحلة بفيلم «ملف سامية شعراوي» عام 1988 وانتهت في نهاية التسعينيات بفيلمها الشهير «أمن دولة» مع المخرج نادر جلال عام 1999، وكان آخر أفلامها على شاشة السينما فيلم «الرغبة» الذي تقاسمت بطولته مع إلهام شاهين وأخرجه علي بدر خان عام 2002، والفيلم كتب له السيناريو والحوار د. رفيق الصبان وقد جاء فيلم «الرغبة» تتويجاً لأعمالها.. فقد حصل الفيلم على خمس جوائز من «جمعية الفيلم.. فدورها في هذا الفيلم أدته بدراسة واعية.. وعميقة يحتاج إلى مجهود كبير.. فبه انفعالات داخلية عالية.. وحاز أداء نادية على إعجاب وتقدير الجمهور والنقاد».

نادية والدراما التلفزيونية

قدمت نادية الجندي للدراما التلفزيونية خمسة مسلسلات فقط، حيث خاضت أولى تجاربها التلفزيونية عام 1973في مسلسل «الدوامة»، لتعود بعد 31 عاماً وتحديداً عام 2005 لتقدم مسلسل بعنوان «مشوار امرأة»، ثم «من أطلق الرصاص على هند علام»، وفي عام 2010 قدمت المسلسل التاريخي «ملكة في المنفي»، أما المسلسل الخامس الذي عرض 2015 فهو بعنوان «أسرار». جوائز وتكريمات رغم عدم اهتمام جوائز السينما بأفلامها وعدم اهتمامها هي أيضاً بهذه الجوائز وبآراء النقاد، حيث كانت ترى أن حب جمهورها لأفلامها وإقباله عليها هو الأهم بالنسبة لها وهو النجاح الحقيقي، لأن السينما فن يقدم للجمهور، فإنها حصلت - رغم ذلك التجاهل النقدي - على عدد من الجوائز والتكريمات مثل: أحسن ممثلة عن دورها في فيلمها «بمبة كشر» عام 1974 وحصلت أيضاً على جائزة أفضل مصممة أزياء، حيث قامت بتصميم أزياء الفيلم بنفسها، وأحسن ممثلة من مهرجان الإسكندرية لسينما دول البحر المتوسط عن دورها في فيلم «الخادمة» عام 1984، أحسن ممثلة من مهرجان جمعية الفيلم «امرأة فوق القمة» عام 1997، أحسن ممثلة من مهرجان جمعية الفيلم عن دورها في فيلم «أمن دولة»، أحسن ممثلة مهرجان جمعية الفيلم عن دورها في فيلم «الرغبة»، أحسن ممثلة من مهرجان عشتار السينمائي بلبنان، كما كرمها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 2006، وقرطاج بتونس ومهرجان دمشق، ومهرجان الرباط لسينما المؤلف.