محمد قناوي (القاهرة)
الممثل عبد الرحمن أبو زهرة، فنان من طرازٍ خاص، عاش العصر الذهبي للمسرح الذي تربى فيه، وتتلمذ على أيدي كبار نجومه، ينتمي لمدرسة الاندماج في التمثيل، برع في أداء الأدوار التاريخية، فعشق اللغة العربية، أمتع الجمهور على مدى أكثر من 60 عاماً، برصيد هائل من الأعمال في المسرح والتلفزيون والسينما والإذاعة تجاوز أكثر من 400 عمل متنوع.

ولد عبد الرحمن محمود أبو زهرة، بمحافظة دمياط بدلتا مصر يوم 8 مارس من عام 1934، عاش طفولة هادئة كأبناء الريف، وكان طالباً مجتهداً في مدرسة خليل أغا الثانوية محباً للشعر والقراءة، ولم يكن لديه أي فكرة عن الفن أو التمثيل، ولم يذهب حتى هذا التوقيت لأي مسرح أو سينما، فقد كانت حياته تقتصر فقط على المذاكرة والذهاب إلى المدرسة والعودة إلى البيت، ولذا فقد اعتبر أن المصادفة كانت وراء دخوله عالم التمثيل، وبالرغم من الخجل الذي كان يغلب على شخصيته داخل الحصص المدرسية، إلا أنه كان مهرجاً خلال وقت الاستراحة، وكان يقلد المدرسين.

• أول عمل
وكان أول عمل شارك فيه مسرحية مدرسية منذ حوالي 60 عاماً، كان سبباً في التحول الكبير في حياته، عندما حصل وقتها على الميدالية الذهبية كأفضل طالب ممثل على مستوى الجمهورية، وكان ذلك سبباً في التحاقه بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وحصل على البكالوريوس عام 1958، وفور تخرجه عمل موظفاً في وزارة الحربية، ولكنه لم يستمر فيها سوى عام، بعدها عين ممثلاً في المسرح القومي، وفيه التقى مع العمالقة، أبناء دفعته التي حقق جميع أفرادها النجومية، ومنهم «أبوبكر عزت، وعزت العلايلي، وصلاح قابيل، وحسن يوسف، وعايدة عبدالعزيز، ورجاء حسين، ويوسف شعبان، ورشوان توفيق»، وكان عمله بالمسرح بمثابة مدرسة تعلم فيها الكثير في فنون الأداء من العظماء الذين أوقف بجوارهم.
وفي هذا الصدد يقول: «كنت موفقاً جداً لأني دخلت المسرح القومي وبسبب «عمر الحريري» أصبحت بطلاً في المسرح، فقد كان يقدم مسرحية «بداية ونهاية» قصة الكاتب الكبير نجيب محفوظ، وتركت المسرحية فجأة لظروف معينة، وكنت شهيراً بأنني أحفظ سريعاً، فأسندوا لي الشخصية التي كان يلعبها في الرواية، وهي دور بطولة، وقدمت مكانه الدور، وبعدها في مسرحية «المحروسة» التي تُوفي بطلها صلاح سرحان، وطلبوا مني تقديم دوره، فحفظته وقدمته في المساء وأثبت كفاءتي ولقبني الفنان عبدالرحيم الزرقاني بـ «الجوكر»، واستمريت في تقديم الأدوار علي خشبة المسرح، حتى وصل رصيدي لأكثر من 100 مسرحية».

• إنتاج غزير
خلال سنوات السبعينيات شارك «أبو زهرة» في العديد من الأعمال متنوعة، ومنها على سبيل المثال: المسلسل الإذاعي «الأعماق البشرية»، وأفلام «اعترافات امرأة»، و«الاختيار»، و«الشوارع الخلفية»، و«بابا آخر من يعلم»، و«امرأتان»، و«المتوحشة»، وبعض الدراما التلفزيونية، منها: «الهروب»، و«لحظة اختيار»، و«حكاية الدكتور مسعود»، و«المشربية»، و«قلب بلا دموع»، وتميز خلال الثمانينيات في مسلسلات «صیام صيام»، و«الباقي من الزمن ساعة»، و«محمد رسول الله»، و«رسول الإنسانية»، و«صعاليك ولكن شعراء»، ومسرحية «سيرك يا دنيا»، والمسلسل الإذاعي «مش معقول»، وأفلام «مطاوع وبهية»، و«اللعنة»، و«ترويض الرجل»، وخلال التسعينيات في العديد من الأعمال، ومنها: مسلسل «الوسية»، و«بيوت في المدينة»، و«الوعد الحق»، و«لا»، و«السقوط في بئر سبع»، و«الزيني بركات»، و«لن أعيش في جلباب أبي»، و«الحاوي»، و«عمر بن عبد العزيز»، و«سنوات الغضب»، و«السيرة الهلالية - الجزء الأول»، و«مغامرات القرن القادم»، و«نحن لا نزرع الشوك»، و«جمهورية زفت»»، و«السيرة الهلالية الجزء الثاني»، و«الغروب لا يأتي سرأ»، و«لما التعلب فات»، وأفلام «الحقيقة اسمها سالم»، و«النوم في العسل»، و«أرض الخوف»، ومسرحية «ليلة القتل الأبيض».

• تنوع الأعمال
ومع بداية الألفية شارك في العديد من الأعمال وهي مسلسلات «السيرة الهلالية - الجزء الثالث»، و«أمشير»، و«الوشاح الأبيض»، و«القاهرة 2000»، و«أوان الورد»، و«حارة المعز»، و«جحا المصري»، و«اللؤلؤ المنثور»، و«أميرة في عابدین»، و«خان القناديل»، و«أبيض× أبيض»، و«أمس لا يموت»، و«العمة نور»، و«مصر الجديدة»، و«الطارق»، و«أيامنا»، و«الدم والنار»، و«أهل الرحمة»، و«مشوار امرأة»، و«الماسة السابعة»، و«العميل 1001»، و«من غير ميعاد»، و«الشيطان لا يعرف الحب»، و«المصراوية»، و«الملك فاروق»، و«نقطة نظام»، و«من أطلق الرصاص على هند علام»، و«ظل المحارب»، و«أنا قلبي دليلي»، وأفلام «حب البنات»، و«ديل السمكة»، و«إنت عمري»، و«الجزيرة»، و«أحلام وسلمان»، ومسرحية «يا أحنا يا هيه»، وفي عام 2010 شارك في مسلسلات «سقوط الخلافة»، و«ملكة في المنفى»، و«القطة العميا»، و«بابا نور»، و«الجماعة»، وفي عام 2011 شارك في مسلسلات «الزناتي مجاهد»، و«آدم»، و«عابد كرمان»، و«سمارة»، وفي عام 2012 شارك في مسلسل «الخفافيش»، فيلم «تيتة رهيبة»، و«سيت كوم»، و«عروسة ياهوو»، ومسلسل «ويأتي النهار»، ومسلسل «الصفعة» والمسلسل الإذاعي «العهد»، وكان آخر عمل تليفزيوني قدمه العام الماضي مسلسل «هجمة مرتدة».

• تجربة والت ديزني
تجربة الدبلجة من التجارب المهمة في مشوار عبد الرحمن أبو زهرة بسبب تميز صوته المذهل وقدرته على التلون، حيث قام بعمل دوبلاج لعدد من أفلام الكارتون التي قدمت بالنسخة العربية من أفلام والت ديزني الشهيرة، ووضع بصمة لا تنسى بصوته في أداء شخصية الأسد «سكار» في الفيلم الكارتوني «الأسد الملك» واعتبر وقتها أفضل من قدم الشخصية وجعفر في «علاء الدين» وبعض حلقات مسلسل «دار الفار»، وقدم بصوته دور «هاتسو» في «الفتى برهان».

• وان مان شو
ويعد عبد الرحمن أبو زهرة أول ممثل في مصر والعالم العربي قدم «وان مان شو» من خلال مسرحية «نادي النفوس العارية»، وذلك لمدة ساعتين، التي أخرجها عبدالغفار عودة، وقدم كل الشخصيات، فقد جسد دور الزوج والزوجة في الوقت نفسه، وقدم المسرحية في كل دول العالم وحققت نجاحاً كبيراً، كما أنه أيضاً أول من قدم ما يسمى بمسرح القهوة، وهدفه كان الذهاب للناس بالمسرح، كما قدم أيضاً مسرحيات على قهوة «ماتنيه»، وكانت مشاهدة المسرحية بالمشروب بعد اتفاقه مع صاحب القهوة، ولقد حققت التجربة نجاحاً كبيراً من خلال فكرة بعنوان «إني اعترض»، فقد قدم وجهة نظر الشخصيتين باعتباره محامي الطرفين.

• شخصيات وأدوار بارزة
عبد الرحمن أبو زهرة من الفنانين الذين يعطون لأي دور يقدمونه ثقلاً كبيراً ومع كل ظهور له في أي عمل تنبهر بأدائه؛ فهو الممثل الأكثر تعبيراً بوجهه وصاحب الألف وجه، فهو يمثل أي دور وأى شخصية تسند إليه بسلاسة، لدرجة أنك بعد تجسيده لها لا تشعر أن ممثلاً آخر يستطيع تجسيدها غيره.


• المعلم إبراهيم سردينة
من أبرز الشخصيات التي قدمها خلال مشواره وارتبط بها الجمهور شخصية «المعلّم إبراهيم سردينة» في مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي»، ولا يزال الجمهور يناديه بـ «المعلّم سردينة» حتى اليوم رغم مرور 26 عاماً على عرضه، فقد تعلّق الناس بشخصية المعلّم الطيب الخلوق، الذي يعطي خبرته وخلاصة تجاربه في الحياة والعمل لـ «عبد الغفور البرعي» الشخصية الرئيسية في المسلسل.

• الحجاج بن يوسف الثقفي
شخصية «الحجاج بن يوسف الثقفي» قدمها في المسلسل التاريخي «عمر بن عبد العزيز»، ما زالت عالقة في أذهان جمهور الدراما التاريخية، فقد برع فيها بلغته الفصحى السليمة، وامتلاكه مفاتيح الشخصية المكتوبة، ومن الغريب أنه جعل الناس تتعاطف معها وتتذكرها حتى اليوم، على الرغم من اختلاف العديد من المؤرخين على شخصية «الحجاج»، ويحكي «أبو زهرة» أنه عندما وافق على أدائها، بدأ في القراءة عنها بنهَم، حتى أصبح لديه ركنٌ في مكتبته الخاصة أسماه «ركن الحجاج».

• موظف البريد
على الرغم من صغر مساحة شخصية «موسي موظف البريد» التي قدمها أبو زهرة في فيلم «أرض الخوف» الذي أخرجه داوود عبد السيد، إلا أنه يعتبر من أهم أدوار الفيلم، فما زال الجمهور يتذكر مشهد «الصفعة» بين «أبو زهرة»، و«أحمد زكي»، الذي يعد مباراة قوية في الأداء التمثيلي بينهما، وهو أهم مشاهِد الفيلم والذي يكتشف فيه «آدم» ضابط الشرطة الذي أصبح تاجر مخدرات دون قصد، أنه ظل طوال خمسة عشر عاماً يبعث بخطاباتٍ تحتوي على أسرار خطيرة، إلى مجرد موظف بريد «موسى»، وليس أحد رؤسائه.

• سكار في «الأسد الملك»
شخصية «سكار» قام بأدائها ضمن النسخة المدبلجة للعربية من فيلم الكارتون العالمي الشهير «الأسد الملك»، وارتبط الأطفال بـ «سكار عم «سيمبا» الشرير، الذي قتل أخيه «موفاسا» ليستولي على حكم الغابة، ومزج فيها «أبو زهرة» بين الشر وخفة الظل في الوقت نفسه، ويحكي أنه عقب أدائه لها، رفعت شركة ديزني أجره عن الدور، وبعثت إليه بخطاب قالت فيه إنه أفضل من أدّى شخصية «سكار» في جميع النسخ المترجمة للفيلم.

• أزمات في حياته
تعرض عبد الرحمن أبو زهرة لازمات كبيرة خلال مشواره، نذكر منها الأزمة الكبيرة التي تعرض لها بسبب تصريحاته التي أدلى بها أثناء تكريمه في مهرجان التجربة الأولى بنقابة المهن التمثيلية وقام الفنان عبدالرحمن أبو زهرة بتحريف بيت شعر لأمير الشعراء أحمد شوقي، واستبدل أحد كلماته بكلمة أخرى قائلًا: «قف للفنان موقف التبجيلا.. كاد الفنان أن يكون رسولا» بدلاً من بيت الشعر الأصلي: «قم للمعلم ووفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا» في إشارة منه لتعظيم مهنة التمثيل، مما أثار حالة غضب كبيرة بين الجمهور والمتابعين وعبروا عن استيائهم.
رد عبد الرحمن أبو زهرة على تلك الاتهامات، وقال: «إيه يعني غيرت في نص شعري؟»، أحمد شوقي ظل طوال مشواره الأدبي يذكر هذا البيت الشعري، والكل كان يحترمه جداً عندما كان يقال عن التعليم والعلماء.

أزمة اعتزاله
آثار عبد الرحمن أبو زهرة الجدل عندما قال: إنه يمر بظروف قاسية وضغوط غير قادر على تحملها ويمر بحالة اكتئاب شديدة، بسبب عدم تلقيه عروضاً للعمل داخل الوسط الفني، سواء في الدراما أو السينما، ويفكر في الاعتزال بعد 60 سنة فن، وقال: إن أغلب المخرجين الحاليين لم يكونوا اتولدوا أثناء توهجه الفني.
وقال: إنه قدم العديد من الأدوار المهمة في منطقة الكوميديا، وطالب صناع المحتوى الفني ببطولة عمل كوميدي لأنه يعاني قلة العمل، وأن الأدوار التي تعرض عليه كل 4 أعوام تكون كضيف شرف، وهو ما لا يتماشى مع تاريخه الفني، وقال: أنا أمر بظروف عائلية قاسية ولا أستطيع أن أعيش من دون الفن.

قصة زواجه
تعتبر قصة زواج عبد الرحمن أبو زهرة من أطرف قصص الزواج التي يمكن سماعها على الإطلاق، حيث روى مسألة ارتباطه التي وصفها بأنها تعتبر من أسرع قصص الزواج في العالم، حيث كان شاباً طموحاً يحلم دائماً بالشهرة والنجاح، وبعد مشاركته في عدد قليل في الأعمال المسرحية، تمكن شقيقه من الحصول على دور له في مسلسل إذاعي، وبالفعل شارك أبو زهرة في هذا المسلسل، الذي يعتبر السبب وراء تعرفه على زوجته الراحلة سلوى أحمد الرافعي، التي كانت تقدم شخصية والدة عبد الرحمن على الرغم من صغر سنها، وفكر في الارتباط بها من أول مقابلة بينهما ولكنها لم تهتم أبداً بوجوده، مما آثار غضبه وجعله يذهب وراءها بعد انتهاء التسجيل ليعرض عليها الزواج، وبالفعل تزوجا بعد 20 يوماً فقط، وأنجبا 3 أبناء هم: «مي وسحر وأحمد».