تامر عبد الحميد (أبوظبي)
الرقمنة والتكنولوجيا الحديثة والحضور الطاغي للمنصات الرقمية فرضت أبجدية جديدة في عالم المشاهدة، وغيرت من عادات الجمهور وجعلتهم يبحثون عن نمط جديد ومختلف من الأعمال الدرامية ذات الطابع السريع والمختزل في مضمونه وحلقاته القصيرة عبر المنصات، بعيداً عن المحطات التلفزيونية، خصوصاً بعدما أقدمت تلك المنصات على إنتاج محتوى درامي مختلف توجهت به إلى المشاهد العربي.
والأمر نفسه بالنسبة لنجوم الدراما الكبار والشباب، الذين توجهوا إلى لعب بطولة مسلسلات قصيرة تعرض عبر المنصات الرقمية، والتي نال أغلبها نجاحاً وانتشاراً كبيرين، بحكم الأدوار الاستثنائية والقصص المختلفة، فمنذ بداية عام 2000 تزامناً مع أزمة جائحة كورونا وحتى الآن، شهد العامان السابقان إنتاج العديد من المسلسلات القصيرة التي دخل بها صناعها إلى حلبة الإنتاج الدرامي الذي أشعل المنافسة بين الإنتاجات الدرامية عبر الشاشات التلفزيونية للمسلسلات ذات الثلاثين حلقة، ومن أبرزها: «بتوقيت مكة» الذي أعاد التعاون مجدداً بين حياة الفهد وسعد الفرج و«سيدة العتمة» لسعاد عبد الله، و«البحث عن علا» لهند صبري، و«بارانويا» لقصي خولي، و«الجسر» لنيللي كريم وعمرو سعد، و«خارج السيطرة» لفتحي عبد الوهاب، و«موضوع عائلي» لماجد الكدواني، و«عالحد» لسلافة معمار.
إيقاع سريع
فهل ستهيمن المسلسلات القصيرة على سوق الدراما العربية من ناحية الإنتاجات والعرض، سؤال أجاب عنه مجموعة من صناع الدراما التلفزيونية، الذين خاض أغلبهم تجربة الظهور والمشاركة في مسلسلات قصيرة عرضت عبر المنصات الرقمية، حيث أكد الممثل والمنتج أحمد الجسمي أن المسلسلات القصيرة تتميز بالإيقاع السريع، وهو النمط الذي يناسب العصر والأجيال الجديدة التي باتت تتابع الأعمال من خلال الأجهزة التكنولوجية الجديدة، فهذا النوع من الأعمال يعطي الكاتب مساحة من الحرية والإبداع، فلا يضطر لحشو العمل بأحداث مملة فرعية تقلل من قيمة المسلسل، كما تتيح الفرصة أمام اكتشاف مزيد من المخرجين والمؤلفين والممثلين وإنتاج عدد أكبر من الأعمال الدرامية ومنح فرصة أكبر أمام صناعها، ورغم الحضور الطاغي الذي حققته المسلسلات القصيرة عبر المنصات وإنتاج عدد كبير من المسلسلات في الآونة الأخيرة، إلا أنه أصبح لكل من التلفزيون والمنصات جمهوره الخاص بها.
مضمون مختلف
فيما أوضح المنتج سلطان النيادي أنه رغم أن المنصات أوجدت حالة درامية جديدة تعتمد على عرض حلقات قصيرة لا تتجاوز مدة حلقاتها 15 حلقة، مقدمة من خلالها مضموناً جديداً ومختلفاً إلى جانب جودة عالية من المستوى التقني والفني، بالإضافة إلى عنصر الانتشار السريع ليس فقط محلياً وخليجياً فقط، بل عربياً أيضاً، هذه العناصر المتميزة دفعت صناع الدراما، من منتجين ومخرجين وممثلين، إلى التوجه نحو هذه المنصات لإنتاج أعمال درامية خاصة بها، وتعرض حصرياً عليها، لكن رغم هذا، فإن الإنتاجات الدرامية التقليدية والتي تعتمد على تنفيذ المسلسلات ذات الـ30 حلقة، ستظل هي أساس الدراما التلفزيونية، والدليل على ذلك أن الموسم الرمضاني، يتم فيه كل عام إنتاج بين 50 إلى 70 مسلسلاً من جميع أنحاء العالم العربي، لذا فإنه مع ظهور المنصات أصبح هناك سوق جديد ينعش الإنتاجات الدرامية طوال العام من ناحية، ويبقى التلفزيون له جمهوره ومتابعوه، خصوصاً في الموسم الرمضاني.
جرأة وحرية
فيما أكدت الممثلة فاطمة الحوسني أن الاتجاه نحو تنفيذ المسلسلات القصيرة عبر المنصات الرقمية هي عملية مكملة للدراما التلفزيونية الأصلية عبر شاشات التلفزيون، التي لا تزال تدخل كل البيوت، وتلتزم بالعادات والتقاليد المجتمعية، على عكس الأعمال الخاصة بالمنصات المدفوعة والتي يعتمد أغلبها على الجرأة وحرية الطرح لجذب المشاهد وتحقيق الأرباح، لافتة إلى أن المميزات التي توفرها المنصات في المسلسلات القصيرة مثل المضمون المكثف بعيداً عن نهج المط والتطويل والانتشار الأسرع ومشاهدة العمل في أي مكان وزمان، حقق للمشاهد وصناع العمل نفسه تكاملية.
معالجة كثيفة
وتحدث المخرج عبد الله الجنيبي عن أبرز مميزات المسلسلات القصيرة، وهو إتاحة مناقشة موضوعات درامية مختلفة بمعالجة كثيفة للأحداث من دون أن يتسلل الملل للجمهور فيفقد متعة المشاهدة التي عانى منها مع كثير من الأعمال التلفزيونية، وهي تعتبر إضافة واتجاهاً نحو إنتاج محتوى شيق وممتع مناسب للإيقاع السريع للعصر، وقال: دخلت المسلسلات القصيرة بقوة نحو المنافسة الدرامية بعد ظهور المنصات، الأمر الذي دفع الصناع والممثلين إلى دخول هذا العالم لما يوفره من عناصر وميزات مهمة، ولكن يبقى المتحكم الرئيس في نجاح العمل من عدمه في أي شاشة يعرض عليها هو القصة والمضمون والرسالة، خصوصاً أن لكل شاشة ومنصة جمهورها، منوهاً أنه رغم هيمنة المسلسلات القصيرة وحضورها القوي، خصوصاً مع بداية أزمة الجائحة التي رفعت أسهم هذه المنصات في المشهد الدرامي العربي، لاسيما أنها كانت من أهم أساليب الترفيه بالنسبة للجمهور خلال فترة تواجدهم في المنزل، إلا أن الإنتاجات الدرامية التلفزيونية عبر المحطات ستظل لها جمهورها وسوقها المهم، لاسيما أنه من الممكن أن ينتج أحد الأعمال عبر التلفزيون ليعرض عبر المنصات، لكنه سيكون من الصعب عرض عمل أنتج لمنصة لعرضه على شاشة التلفزيون.