نتعايش ونعيش مع الكثيرين من حولنا، لكل فردٍ فيهم مزاجه واهتمامه وخبراته ومؤهلاته وهواياته، إلا أنّ سؤالاً حول من يصنعُ الفرقَ وسط هذا الزخم الممتد من البشر، يبقى قائماً ومهماً ومثيراً للدهشة والاهتمام؟ ترى هل فكر أحدنا في الكيفية التي من خلالها يمكن أن يكون فارقاً عن الآخرين؟ هل طاف ببال أيّ منكم أنه يعيش في محيط يعج بالكثير من المتشابهين والمستنسخين الذين قد لا يكون لدى أكثرهم هم سوى أن يعيش ويتدبر أمر يومه، وأن يظهر بالصورة التي يراها مناسبة له بصرف النظر عن آراء الآخرين أو وجهة نظرهم.
إن صناعة الفرق تُمثل مطلباً وأمراً مهماً لكل إنسان في كلّ زمان ومكان، وخلال كل الظروف ومختلف الأوقات، فالإنسان العادي غير لافت ولا يمثّل شيئاً مهماً لمن حوله، وحده الطموح الذي ينال الإعجاب والاستحسان عندما يصنعُ الفرق بينه وبين الآخرين، فلا يلتفت المرء إلى الكسول الخامل، ولا يثير انتباهه البليد المتواكل، وإنما الذي يثير الإعجاب دوماً هو ذاك المبادر المتطلع السائر بطموحه المشرّع على الفضاء في منطقة يدرك تماماً كيفية التحرك فيها، ووسط ظروف تحتم عليه الأخذ في الحسبان كل المتغيرات من حوله من عوامل نجاح أو إخفاق.
ولا شك في أن صناعة التفرد، والإنجاز، وحصد التفوق تتطلب توفّر عوامل وخصائص لا بد للمرء أن يتحلى بها منها مثلاً سعة الأفق، وتنوع الثقافة، والمطالعة، والاتكاء على المعرفة وسيلة للتميز، والتعرف إلى تجارب الآخرين للاستفادة منها، ومن ثم الإيمان بقيمة المبادرة للوصول إلى النتائج التي يرتجيها المثابر وإن بعُدت المسافات أو تضاءلت الفُرص، حيث إن النجاح لا يأتي على طبق من خيال، ولا تحققه الأمنيات ما لم يُقترن بالعمل الجاد، والإصرار على تحقيق النتائج المشرّفة.
يعجبني كثيراً الطموح في الشباب، ويثير شفقتي وغضبي أحياناً بعضُ آخرينَ منهم ممن يركنون إلى البديل في إدارة حياتهم وأمنياتهم ويغرقون في وهمِ وسائل التواصل الحديثة، أولئك الذين شغلتهم الحياة المادية والبحث عن الظهور والشهرة عن الصناعة الحقيقية للذات، النافعة لأوطانهم ومجتمعاتهم، فقد تنازل بعضهم عن مبادئه وقيمه متوهّماً أنه يصنعُ فرقاً عمّن سواه بما يأتي من سلوك وتصرفات لا يقبل بعضها المجتمع.
إن الطرق إلى صناعة الفرق ليست ممهدة بالورد، ولا تتكئ على أوهام تأخذها الريح، ولكنها ترتبطُ ارتباطاً مباشراً بالإيمان بقيمتها، والعمل الجاد لتحقيقها، والمبادرة الدائمة لتطويرها، فمن يملك روح المثابرة والإصرار والتحدي وحده القادر على صناعة الفرق والتميز عن الآخرين.