لكبيرة التونسي (أبوظبي)

وسط حضور جماهيري واسع تُختتم اليوم فعاليات مهرجان الحصن السنوي الذي نظّمته دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي على مدى 10 أيام، في منطقة الحصن، وتضم قصر الحصن والمجمّع الثقافي وبيت الحرفيين. وشهد المهرجان في دورته الحالية مجموعة فريدة من المنصات الثقافية الحيّة والعروض والاستعراضات الفنية والموسيقية والسينمائية.

  • حضور لافت للكبار والصغار

وشرّع المهرجان أبوابه أمام الزوار الذين توافدوا للاستمتاع بفعالياته، وخوض تجارب تفاعلية ممتعة للتعرف على ما تركه الأجداد من موروث حضاري، عبر العديد من الورش التعليمية والمعارض الفنية والمسابقات، كمسابقة القهوة العربية ومسابقة الحصن للطهي. ويشكل المهرجان إطلالة تربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، ويُعد منصة مثالية للاحتفال بالتراث النابض بالحياة والثقافة المعاصرة، ودعوة لأبناء الوطن للمشاركة في فعالياته والاحتفاء بالصروح التاريخية وما ترمز إليه من عادات وقيم ومُثل عليا، واستكشاف إرث الأجداد الذي يستند عليه في التطلعات نحو المستقبل.

رسَّخ مهرجان الحصن مكانته العالمية ضمن المهرجانات الثقافية مسجِّلاً حضور آلاف الزوار لأكثر من 120 حدثاً وفعالية بينها 12 عرضاً حياً يندرج ضمن فنون الأداء المعاصرة، وما يزيد على 30 ورشة عمل حرفية وفنية وتراثية. وشكّلت ساحاته متحفاً حياً، نجح في تمثيل مشاهد تاريخية للحياة اليومية التي عاشها الأسلاف في عروض تضم ممثلين يرتدون أزياءً تقليدية، مع دعائم ترسم صورة حية للروايات التي عرفناها عن حياة الصحراء والواحات والساحل. وظهرت مكونات أساسية مثل المدرسة والألعاب الشعبية، مروراً بالحداد ودكاكين الأولين و«بيت الزهبة» و«الحنة والعجفة» وصناعة التلي والبرقع وخض اللبن وسف الخوص، وسواها من الصناعات والحرف التي مهرت فيها النساء، حيث الأزقة تعبق برائحة الطين والخوص.

تنوّع الموروث
فعاليات وأنشطة جعلت قلب أبوظبي التاريخي ينبض بالحماس محدثة تفاعلاً بين الجمهور ومفردات المهرجان من المعارض الفنية وبرنامج المتحف الحي وورش العمل وعروض السينما، في تجسيد للتنوّع المميز لثقافة العاصمة وتاريخها.

وتميزت ساحة المهرجان بأجواء احتفالية في الهواء الطلق وسط أصوات ومشاهد آسرة لعروض أداء واستعراضات فنية أضفت مشاعر إيجابية على الزوار الذين عاشوا أجواءً من زمن الأسلاف واطلعوا على أسلوب حياتهم. ونجحت مشاهد فرقة الجوالة في المهرجان، في إعادة إحياء الدور الذي كانت تقوم به في مختلف أحياء المدينة، حيث تجوب الأسواق القديمة وأزقتها الضيقة مروراً بمختلف الساحات، مما أضفى الحيوية والحماس على الفعاليات.

السوق
وعند التجول في أزقة السوق العابقة بالدخون والبخور، يجد الزائر نفسه أمام تجربة تسوّق أصيلة، حيث الحلويات والبهارات المصنوعة يدوياً، والمطرّزات والعسل ومختلف الأطباق التقليدية والألعاب ومواد التجميل والعطور، وأدوات كانت تستعمل في السابق كالراديو القديم.

  • خديجة الطنيجي تعرض منتجاتها اليدوية (تصوير: علي عبيدو)

وقالت خديجة الطنيجي صاحبة محل «المرتشعة» في السوق القديم، إنها سعيدة بمشاركتها في مهرجان الحصن، لافتة إلى أنها تعرض كل ما يوحي إلى زمن أجدادنا، كالبهارات والبخور وخلطات الدخون التي تصنعها في بيتها. كما تعرض الألعاب والحلي القديمة والمنسوجات، لافتة إلى أنها تسعى للحفاظ على التراث من خلال عرض منتجات تقليدية، وإدخال زخارف ونقوش على أدوات عصرية لتعريف الجيل الجديد بها. 

أهل البحر
وعلى امتداد مساحة واسعة يجلس البحارة والنواخذة وأمامهم أدواتهم لإثراء المهرجان بخبراتهم ويمتعون الزوار بحكايات الماضي، حيث كان الأسلاف يتخذون من البحر وسيلة للعيش. وهم يعيدون إحياء التقاليد ويقدمون مجموعة من الصناعات البحرية المستدامة، والتي كانت أنذاك تصنع من المواد الطبيعية، ومنها المحامل وفلق المحار والمالح والقرقور وشِباك الصيد والمجاديف. ويزيِّن البيئة البحرية فن «النهمة»، الذي كان ينشده الغواصون للإبقاء على حماسهم وثبات إيقاعهم. كما تُعتبر فرقة العيالة البحرية أساسية في التراث المحلي غير المادي، وكانت تؤدّى على طول السواحل الإماراتية كجزء من تقاليد الوداع والترحيب المرتبط بمغادرة ورجوع غواصي اللؤلؤ والبحارة.

الواحة
كثيرة هي الفعاليات والمفردات التي يقدِّمها مهرجان الحصن وشهدت تفاعل الزوار من مختلف الجنسيات والفئات العمرية، وعكست مهن وحِرف وطبيعة مختلف البيئات الإماراتية، ومنها «الواحة» في قالب إبداعي. وتستعرض المرأة الإماراتية ضم المهرجان فن نسج النخيل، والذي يبدأ يقطف الأوراق وتجفيفها، ثم نقعها وصبغها لتنسج بعدها في أشغال يدوية.

ونجحت الفعاليات في تعريف الجمهور على كيفية بناء منزل العريش التقليدي، وذلك بإتاحة الفرصة لبناء جزء منه، عبر ورش تعليمية لاكتساب الخبرات والاطلاع على مهن الأجداد الذين طوعوا الطبيعة للاستفادة من خيراتها. وتُعتبر تربية الماعز من المهن الأساسية لدى أهل الصحراء كما باقي المناطق، وشكلت لهم مورداً لا يُقدر بثمن نظراً لوفرة منافعها واستخداماتها التي أمَّنت لأهل البادية الكساء والحليب والجبن.

وبالتجول في الواحة لابد للزائر أن يلاحظ تسلّق بعض الأطفال للنخلة بمساعدة الحبل، في محاولة للتعريف بما قام به الأجداد، عبر حزام يتكون من ألياف النخيل. ويمكن مشاهدة كيف يستعرض صانع الحبال التقليدي حرفته مستخدماً يديه ورجليه في لف الألياف وعمل خيوط قوية بالقدر الكافي لدعم الأوزان الكبيرة.