خولة علي (دبي)
كبار السن «بركة البيت» والذاكرة الحية التي تُنعش الماضي بما فيه من تراث وتاريخ وخبرات، وهم مصدر لأبجدية السَنع وآدابه، والكثير من القيم والمبادئ المتجذِّرة في المجتمع المحلي، وملامح البيوت القائمة على نظام الأسر الممتدة ومفهوم الترابط والتراحم. وفي ظل متغيرات الحياة العصرية، نشأت فجوة بين كبار السن والأبناء، ما أثّر سلباً على مفهوم الترابط الأسري، وزاد من مسؤولية الآباء في إعادة بث روح هذا التواصل. فكيف نقرِّب المسافات بين الأحفاد والأجداد؟
أوردت الدكتورة إسراء السامرائي أستاذة علم النفس بجامعة علوم الأسرة في عجمان، أن الأسرة تُعد النواة الأولى التي ينشأ فيها الأفراد، حيث يتلقون تربيتهم واحتياجاتهم ومعارفهم وسلوكياتهم، وهي المؤسسة الاجتماعية الأولى التي ينمو ويترعرع فيها الطفل ويتعلم كل ماهو إيجابي أو سلبي. وبما أن مرحلة الطفولة تعتبر من أهم مراحل النمو في حياة الإنسان كونها الفترة التي تتشكل فيها شخصيته، فلا بد من استغلالها بالشكل الأمثل لغرس القيم السامية، ومن أهمها بر الوالدين واحترام الكبير والعطف على الصغير، مشيرة إلى أنه يجب لزاماً على الوالدين تعليم أبنائهم هذه المبادئ من خلال طرق التعلّم المختلفة.
ومن طرق التعلم بحسب السامرائي، تقليد الآباء الذين لا بد وأن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم. فعندما يرون الآباء يقومون بالتواصل ورعاية والديهم (الأجداد)، تتكوّن لديهم مدركات حول قيمة كبار السن، وسيقومون بدورهم بالتعامل بالمثل. كما أن التدريب من أفضل طرق التعلّم، حيث يجب على الوالدين تشجيع أبنائهم على زيارة أجدادهم والتواصل معهم لمشاركتهم ذكرياتهم، خصوصاً أنهم يحتاجون للشعور بقيمتهم وسؤالهم عن الأحداث التي مرت عليهم. وتوجد طريقة أخرى ليكتسب الأطفال القيم الحسنة، وهي ثقافة التطوّع حيث إن هذا المجال يجعلهم يتعاملون مع فئات كثيرة، ومنها كبار السن، ويعلمون أن ما يُغرَس اليوم سيُجنى غداً.
شغف مجالستهم
وذكر خالد أحمد الكعبي اختصاصي اجتماعي، بعض الواجبات المهمة التي من الممكن أن تعزِّز التواصل بين كبار السن والأبناء، منها تنظيم وقت للجلوس معهم، وأن يلعب الآباء دور القدوة واختيار الموضوعات المهمة التي من الممكن أن يتحدث عنها كبار السن والأمثلة التي يضربونها بما مروا به خلال سنوات حياتهم. وكذلك الثناء على ما تعلّمه الوالدَان من كبار السن، وإظهار الاستفادة التي حصلا عليها، ما يجذب اهتمام الأبناء ويثير شغفهم إلى مجالسة كبار السن والتعلّم منهم. ولفت إلى ضرورة العمل على جذب اهتمام الأبناء بأخذ الحكمة من كبار السن، حتى وإن كان البعض منهم غير متعلِّم، إلا أنهم يمتلكون الكثير من الخبرات الحياتية والمخزون الثقافي الذي ينقلونه للأبناء.
الكوب نفسه
وأشار الدكتور شافع النيادي، مدرِّب علاقات أسرية، إلى حاجة كبار السن لوجودهم في بيئة مطوَّقة بالعلاقات الاجتماعية التي تمدّهم بالطمأنينة والأمان، ليشعروا أنهم ما زالوا في محور اهتمام المحيطين بهم، فعملية التواصل بين الأجداد والأبناء، لها أثر كبير على النفسية، وتقع مسؤوليتها على عاتق الآباء من خلال غرس قيم الاحترام والرعاية. وذكر أن هذه العلاقة تولد أيضاً في الأبناء الكثير من المبادئ الاجتماعية السمحة، والاستفادة من تجارب الأجداد وخبراتهم الحياتية، لافتاً إلى بعض السلوكيات المشينة التي قد تصدر من الآباء تجاه كبار السن من تعنيف أو تهميش أو ألفاظ مشينة أمام الأبناء، الذين قد ينتهجون هذه السلوكيات ويسيرون على خطى آبائهم، فيسقونهم لاحقاً من الكوب نفسه.
قاعدة مهمة
وأكّد الدكتور حمد عبدالرحمن البقيشي، (أب)، أن للأجداد دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية باعتبارهم أساس بناء الروابط الأسرية، فهم نموذج للتقاليد والقيم، ومن خلالهم تتماسك الأسر وتتّضح الهوية التي لا يمكن الاستغناء عنها لأنهم يمثِّلون دور المربين والمرشدين. وقال إنه يتوجب على الوالدَين الاهتمام والعناية بهم وتوجيه الأبناء بذلك، من خلال الزيارات العائلية الدائمة وتقديم الهدايا وتقبيل الرأس واليدين واصطحابهم في رحلات البر والبحر. فكلما كانت الأسرة مترابطة ومُحبة لبعضها، كان الأحفاد متماسكين لأبعد الحدود والعكس صحيح. وتحدّث عن وجود قواعد تحكم هذه العلاقة حتى تصبح ناجحة، يلتزم بها الأجداد والأحفاد، فكلما كانت العلاقة مبنية على التواصل النفسي والاجتماعي، كانت للجدّ المكانة والسلطة والعطاء، وكلما اضطربت العلاقة بين الآباء والأجداد، أثّر ذلك سلباً على العلاقة مع الأحفاد.
نصح ثمين
وتحدث محمد بوهارون، (أب)، عما قدّمته المؤسسات المجتمعية من قوانين وبرامج متنوعة لخدمة كبار السن والتعريف بحقوقهم. وذكر أنه لا بد من وجود تكاتف ووعي من قبل الأسرة في كيفية توثيق علاقة الأبناء بأجدادهم وتجديد العلاقة فيما بينهم، انطلاقاً من فكرة استشعار أهمية التواصل، وأن حرص الآباء على السكن مع أحد الوالدَين أو كليهما، فيه بركة وخير عظيم وفائدة لأبنائهم لأخذ الخبرة والنصح الثمين. وشدَّد على أهمية الزيارات العائلية والاهتمام بالأجداد عبر تقديم الهدايا وكسب قلوبهم بالود، مع شرح بعض الأمور التي يحتاجونها لسلامتهم، وهذا ما لا يُجيد أي عامل آخر شرحه بالاهتمام نفسه.