أبوظبي (الاتحاد)

لأسباب كثيرة يطول شرحها، ولّى عصر المجلات في العالم العربي، حتى من قبل أن يرسخ الإنترنت والسوشيال ميديا أقدامهم في العالم الحقيقي والافتراضي. انتهى زمنها قبل عقود بعدما كانت النجمة المتألقة في عالم الصحافة العربية. حتى مجلات الأطفال بهجة الصغار، معلمة الأجيال  صارت مجرد ذكرى. أما المجلات الثقافية التي كانت بمثابة جامعة حقيقية للنخب الثقافية من المحيط للخليج، وقاعدة لإطلاق المواهب،  أفل نجمها وذهب بريقها.
والمجلات السياسية التي أسهمت في تشكل الوعي العربي الجمعي، حتى وهي تصدر من بلدان المهجر الأوروبي..  لندن أو باريس، في سنوات الثمانينات والتسعينيات، لفظت معظمها أنفاسها تباعاً، تحت وطأة التعرية السياسية والاقتصادية التي عصفت بالمنطقة.
عبر هذه المجلات، كان يتشكل الوعي الجمعي للمجتمعات العربية، فقد كانت تقوم في عصرها الذهبي بما يعادل دور السوشيال ميديا الآن. كانت ساحات رحبة للحوار والإبداع، تتألق فيها الأفكار ووجهات النظر من خلال النقاشات العميقة بين أطياف شتى. فلماذا اختفت وأين ذهبت. أسئلة حائرة يتردد صداها منذ سنين، لكن لا أحد يهتم تحت وقع رنات الهواتف الذكية وتنبيهات رسائل  الواتساب. 
أما في الغرب، فما زالت المجلات بخير. فهي رائجة ومنتشرة وتوزيعها لم يتضرر بصورة خطيرة من صعود الميديا الجديدة، وتلك مفارقة مدهشة. لقد نجحت في التكيف في مواجهة العاصفة الإلكترونية، وحافظت على جاذبيتها وتألقها على الرغم من أزمة الصحافة اليومية المطبوعة. 
وفي بريطانيا تحديداً نجحت المجلات في الاحتفاظ بتألقها من خلال التواصل الفعال مع جمهورها الذي ينتظرها بلهفة في مواعيد صدورها.
لذلك فإنها تسعى دوماً لاستقطاب أفضل الصحفيين لدعم صفوفها وتجديد دمائها.
وفي سوق المجلات السياسية بالتحديد، ثمة تنافس حاد أدى إلى حركة تنقلات في القيادات التحريرية بين كبريات المجلات.
ومؤخراً تم الإعلان عن تعيين الآن روسبريدجر رئيس التحرير السابق لصحيفة الجارديان، رئيسا لتحرير مجلة بروسبكت (تمثل تيار الوسط)  التي أسسها عام 1995 المؤلف والمحلل الاجتماعي ديفيد جودهارت.
 ومن المقرر أيضا أن تتولى ميليسا دينيز رئاسة قسم التحقيقات في مجلة نيو ستيتسمان حيث ستعمل تحت قيادة جيسون كاولي، فيما تمضي قدما خططها لتوسيع نطاق التغطية الصحفية الدولية والسياسية.
أيضا تتجه مجلة «لندن أو ريفيو بوكس» إلى مرحلة تغيير في القيادات بعد رحيل مؤسسها ماري كاي ويلميرز.. ومع أنها مجلة ثقافية وأدبية بالأساس إلا أن مقالاتها السياسية صارت مقروءة كثيراً هذه الأيام في الأوساط السياسية المعنية.
وفي الواقع لم يكن الضباب الذي يلف المشهد السياسي البريطاني أكثر كثافة مما هو الآن، حسبما تقول صحيفة الجارديان.
وهناك مخاطر كبيرة تنطوي عليها محاولة الإبحار في محيط  السياسية البريطانية، من الخلافات الكبيرة داخل الأحزاب البريطانية إلى التصدعات الخطيرة التي تشكل النقاش العام. 
وفي مثل هذه الأيام التي ينتشر فيها اللا يقين، ربما يحب الناخب شراء مجلة تكون له بمثابة دليل مبسط للاختيار. فأي مجلة يشتري؟
وقد أشاد فريزر نيلسون رئيس تحرير سبكتاتور بالجهد الصحفي لروسبريدجر  قائلا إن مجلة «بروسبكت» مطبوعة ممتازة لديها كل الإمكانيات. وحذر من السير وراء أهل الديماغوجية السياسية قائلاً إنه لديه شكوك عميقة بشأن المجلات ذات الانحيازات السياسية. وأضاف : «إنك لا تستطيع أن تعتبر سبيكتاتور مجلة للمحافظين. ليس ثمة سوق لذلك في بريطانيا». وتابع : «عندما يخصص ناشر مجلته لتيار معين ، فإنه قضى على نفسه.» 
من جانبه ، يقول روسبريدجر- 67 عاماً إنه يخطط لتصبح بروسبكت  بعد تعيينه «ساحة للأفكار والنقاش النشط». وتابع أن المجلة تضطلع بدور مهم للغاية في ظل حالة الانقسام بالمجتمع البريطاني الذي يكاد يكون قد فقد فضيلة الإنصات، على حد تعبيره.
وتوقع نيلسون أن تستعيد بروسبكت مسيرتها الناجحة إذا ما قدمت مقالات أطول مكتوبة بطريقة جيدة، مشيراً إلى أن المشروع الصحفي الذي تقدمه المجلة يكمن في أن بعض القضايا تستحق مساحات أكبر على الصفحات.