وائل بدران (أبوظبي)
جمعهم التنوع، وشغف الاستكشاف، وحب الفضاء، والأمل في غدٍ أفضل لمرضى السرطان، هم «الملهمون الأربعة»، طاقم رحلة «إنسبيراشن 4»، وهي أول مهمة مدنية في الفضاء، على متن كبسولة شركة «سبيس إكس».
وأعرب «الملهمون الأربعة»، وجميعهم مدنيون، عن أملهم في أن يكون تنوعهم ملهماً للآخرين، مؤكدين أن تجربتهم في الفضاء غيرتهم إلى الأبد. وهؤلاء الأربعة ملياردير، وعاملة رعاية صحية ناجية من السرطان، ومعلمة علوم سمراء البشرة، ومحلل بيانات هاوٍ للفضاء.
وتحدث الروّاد الأربعة عقب عودتهم من رحلتهم التي استمرت ثلاثة أيام في الفضاء، داروا خلالها حول الأرض في مدار أعلى من محطة الفضاء الدولية، آملين أن يحدث تغييراً كبيراً في مجال الرحلات الفضائية، بحيث يصبح متاحاً أمام الجميع.
وتمكن الرواد الهواة، الذين يأملون في إلهام الآخرين بمغامرتهم، من جمع أكثر من 200 مليون دولار، عقب عودتهم من الفضاء الأسبوع الماضي، من أجل علاج سرطان الأطفال، ولذلك أطلق على المهمة «إنسبيريشن4»، أي «الملهمون الأربعة». ولا تزال حملتهم مستمرة في جمع الأموال لمساعدة مرضى السرطان.
ودفع تكاليف الرحلة رجل الأعمال والملياردير الأميركي، جاريد أيزاكمان، الذي سافر بصحبة ثلاثة من رفاقه. وشارك أيزاكمان رحلة الدوران حول الأرض عاملة الرعاية الصحية هايلي أرسينو، ومعلمة العلوم سيان بروكتو، ومحلل البيانات لمدة ثلاثة أيام.
وأظهرت رحلة «الملهمون الأربعة» أن الفضاء لم يعد حكراً على القوى العظمى المتنافسة، أو عمالقة قطاع الفضاء. وأنتجت «نيتفلكس» سلسلة أفلام وثائقية عن الطاقم، وتم بثه مجاناً، قبل بدء الرحلة إلى الفضاء، وكان الشعر الذي تردد كثيراً في إعلانات السلسلة: «إذا كان يمكنهم الذهاب.. فيمكننا جميعاً».
ملياردير
يشغل قائد الرحلة، جاريد أيزاكمان، البالغ 38 عاماً، منصب الرئيس التنفيذي لشركة «شيفت فور بيمانت»، وهي الشركة التي أسسها عندما كان مراهقاً لمعالجة معاملات بطاقات الائتمان. وهو أيضاً متحمس للطيران، وقضى آلاف الساعات في طائرات متعددة. والمفارقة أنه لم يكمل دراسته الثانوية.
وبينما أصبحت المهمة ممكنة بفضل الثروة الهائلة، التي يملكها أيزاكمان، فإن قناعة الفريق الآن هي: يجب أن يكون الفضاء في متناول الجميع. وتقدر ثروة أيزاكمان بنحو 2.5 مليار دولار. وفي عام 2012، أسس شركة أطلق عليها اسم «داركن إنترناشيونال»، لتدريب الطيارين العسكريين، ولتشغيل أحد أكبر أساطيل الطائرات الحربية الخاصة في العالم. وفي عام 2009، كسر إيزاكمان الرقم القياسي العالمي في الطواف حول العالم في طائرة خفيفة، وقطع المسافة حول الأرض في أقل من 62 ساعة. وأكد المغامر الملياردير، أنه قرر الذهاب إلى الفضاء عندما كان في الخامسة من عمره.
ناجية من السرطان
الشابة الأميركية هايلي أرسينو، البالغة من العمر 29 عاماً، فتمكنت من تحقيق حلمها، لتصبح أصغر رائدة فضاء وأول ناجية من سرطان الأطفال تنطلق في رحلة إلى مدار الأرض.
وبسبب إصابتها بسرطان العظم خلال طفولتها، لا تزال هايلي تضع قضبان فولاذ في القدم اليسرى، الأمر الذى كان يبدد حظوظها في تحقيق حلم السفر إلى الفضاء، إلا أن المليارديرالأميركي أيزاكمان، الشغوف باستكشاف الفضاء قرر أن تكون هايلي أول ضيوفه على متن الصاروخ «فالكون 9» الذى استأجره على نفقته الخاصة.
وتقول هايلى أرسينو: «تلقيت اتصالاً هاتفياً مفاجئاً مطلع يناير، شرحوا لي فكرة المهمة، وسألوني باختصار هل تريدين الذهاب إلى الفضاء؟» فأجبت بسرعة «نعم بالتأكيد».
ولدى عودتها من الفضاء، قالت هايلي: «بالنسبة لمن يسألون عن حال قدمي بعد رحلة الفضاء، فإنها بأحسن حال»، مضيفة: «كانت أول دعامة من قضبان فولاذ داخل القدم تصل إلى الفضاء، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة».
وكانت الشابة تلقت الرعاية الطبية خلال الطفولة في مستشفى سانت جود فى ممفيس «تينيسي»، المتخصص في علاج الأطفال المرضى، وخصوصاً المصابين بالسرطان. وتعمل هايلي في المستشفى ذاتها حالياً كمساعدة طبية.
وكانت هايلي زارت خلال طفولتها مركز وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» في ولاية تكساس، مؤكدة أنها كانت تتمنى أن تصبح رائدة فضاء، لكن بعد بضعة أشهر، جرى تشخيص إصابتها بالسرطان، وتغيّر العالم من حولها.
وتوضح هايلى: «حتى الآن، كان يتعين أن يكون رواد الفضاء أصحّاء جسدياً. ولم أكن أنتمي إلى هذه الفئة بسبب العمليات التي خضعت لها في ساقي. ومن الأمور التي أثارت حماسة حقيقية لدىّ في هذه المهمة هو أنها تفتح مجال الرحلات الفضائية للجميع».
وتابعت الشابة: «أن أكون أصغر أميركية تذهب إلى الفضاء شرف كبير لي، لكن أكثر ما يروق لي بصراحة هو أنني أول ناجية من سرطان الأطفال تذهب إلى الفضاء، وما يحمل ذلك من دلالات للصغار الذين يعالجون بسبب إصابتهم بالسرطان».
وتختتم هايلى: «أود تشجيع مرضاي على الأحلام الكبيرة من دون التقيد بأي حدود. وآمل حقاً في أن أظهر لهم أن كل شيء ممكن».
فرصة بديلة
حظي مهندس البيانات الأميركي والضابط المتقاعد من سلاح الجو، كريستوفر سيمبرسكي، البالغ من العمر 42 عاماً، بفرصة لم يكن يتخيلها، إذ تنازل له صديق لم يتم الإفصاح عن هويته، عن مكانه في الرحلة. ولطالما كان سيمبرسكي، الذي يعمل موظفاً لدى شركة لوكهيد مارتين، شغوفاً بالفضاء، وعالم فلك هاوٍ.
ونشأ سيمبرسكي في كارولينا الشمالية، وأثناء دراسته تطوع في منظمة غير ربحية تدافع عن رحلات الفضاء الخاصة. كما عمل مستشاراً في مخيم تعليمي تموله الحكومة يروّج للعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بين الأطفال والمراهقين.
صانعة التاريخ
أكدت سيان بروكتور، معلمة العلوم، والتي صنعت التاريخ كأول امرأة سوداء مدنية تصبح رائدة فضاء: «لم تكن فرصة لأحقق حلمي فحسب، ولكن أيضاً لإلهام الجيل المقبل من النساء والفتيات من ذوات البشرة السوداء».
وعلى مدار عقود، شقت بروكتور طريقها في قطاع الفضاء. والآن بعد سنوات من وصولها للتصفيات النهائية في برنامج ناسا لاختيار رواد الفضاء عام 2009، تمكنت من تحقيق حلمها بأن أصبحت رائدة فضاء.
وفي حين صنعت الرحلة التاريخ بكونها أول رحلة يقودهما طاقم من المدنيين بالكامل، حققت بروكتور لنفسها إنجازاً كبيراً بأن أصبحت أول امرأة من ذوات البشرة السوداء من المدنيين تقود مركبة فضاء.
وقالت بروكتور: «إنني ممتنة حقيقة أن أكون هنا، وأن أحظى بهذه الفرصة»، مضيفة: «كان هناك ثلاث رائدات فضاء من ذوات البشرة السوداء ذهبن إلى الفضاء، وكوني الرابعة يعني تحقيق حلمي، وإلهام الجيل التالي من النساء والفتيات، وجعلهن يفكرن بشأن بلوغ النجوم».