خولة علي (دبي)
تسيطر وسائل التكنولوجيا وأدواتها على مراهق الجيل الحالي الذي بات رهينة لها، حتى أنه قد يعيش حالة من الانعزال والغربة عن أسرته ومجتمعه، متمرِّداً أحياناً على ثقافته، نتيجة ما يتعرّض له من مؤثِّرات العالم الافتراضي والمحيط الذي يتفاعل معه بعيداً عن الحياة الواقعية. الأمر الذي يولِّد فجوة ويُنتج صراعاً دائرياً بين ما يفكِّر به المراهق وما يراه والداه والمجتمع. فكيف ينظر خبراء النفس والاجتماع إلى هذا التأثير؟ وما السبيل لإعادة المراهق إلى محيطه في ظل أسرة قادرة على احتوائه؟
كغالبية أبناء جيله، يرى عبدالرحمن حمد البقيشي (15 عاماً) أن الانفتاح التكنولوجي أثّر إيجاباً على جيله، بحيث سهّل الحصول على المعرفة والعلوم والاطلاع على الأحداث التي تدور حول العالم، قائلاً: في المقابل نجد أنه أوجد جيلاً مختلفاً عن مجتمعه، فأصبح المراهق ينجرف خلف أفكار أثّرت في متطلباته واحتياجاته ومظهره، سواء في المدرسة أو الأماكن العامة. ويعتبر أنه يجب الحفاظ على القيم والمبادئ المجتمعية، وعدم الالتفات إلى المؤثرات الخارجية، والتحلي بالقناعة والثقة بالنفس والإحساس بالمسؤولية، لافتاً إلى ضرورة التركيز على تأثير الأصحاب، وأنه عند الإحساس بأن أحد الأصدقاء بدأت تظهر عليه سلوكيات أو ألفاظ غير مستحبة، يجب المبادرة إلى نصحه وتوجيهه.
دور الأسرة
في المقابل يعبِّر الأهالي عن مخاوفهم من سطوة التكنولوجيا، وتحدّث الدكتور حمد عبدالرحمن البقيشي (ولي أمر) عن الواقع الذي يعيشه المراهقون اليوم تحت تأثير المتغيّرات العصرية التي تتسبب لهم بمشاكل تربوية وأخلاقية، لافتاً إلى أن المربي ليس من يوجِّه فقط، بل هناك شركاء آخرون، منها القنوات الفضائية والشبكة العنكبوتية وما تحمله من مواقع سلبية. وقد تحوّل الجزء المؤثِّر في التربية من الأسرة والمدرسة، إلى منصات لا ضوابط تحكمها، وصارت لها الكلمة في تحديد أخلاق الجيل وثقافته، مثل برامج التواصل الاجتماعي، الإنترنت وألعاب البلايستيشن. وذكر أن جيل اليوم يفتقد إلى الكثير من القيم، وأصبحت هذه التقنيات تهيمن عليه، فانسلخ عن مجتمعه، علماً أن حاجة الحياة المعاصرة إلى هذه الوسائل ملحّة، ولحماية الأبناء من سلبياتها، يتطلّب من الأسرة لعب دور مهم في زرع الثقة بنفوس الأبناء والإنصات إليهم.
تفهّم واطّلاع
من جانب آخر، اعتبرت موزة مبارك (ولية أمر)، أن ظهور جيل من المراهقين بمتطلبات وأفكار مختلفة، حقيقة لا يمكن تجاهلها وسط هذا الانفتاح وزخم وسائل التواصل، حيث يشعر المراهق بأن له حرية التصرّف، إلا أنه قد ينجرف مع التيار لأنه مازال بحاجة إلى رعاية والديه. وذكرت أن المراهق يعتقد بأن والديه لا يساندانه وينتقدانه باستمرار، ما يجعله ينعزل عن الآخرين، قائلة: أنا كأم مطالَبة بالبحث والاطلاع حول ما يتعلّق بالمراهقين، لذلك أتغاضى أحياناً عن بعض التصرّفات وأكون متفهِّمة في التعامل مع أبنائي وإقناعهم، كما أشغل وقتهم بتنمية هواياتهم لتفريغ طاقتهم بالشكل الصحيح.
احتواء وتوجيه
ويرى محمد بوهارون (ولي أمر)، أن أفضل الحلول استغلال فراغ المراهقين بأعمال تعود عليهم بالنفع، مثل مطالعة الكتب المفيدة، مشيراً إلى أن هذا النهج جيد لصرفهم نحو أمور نافعة، وكذلك إشراكهم بأعمال تطوّعية وأنشطة مجتمعية مثل الأندية الثقافية والرياضية. ولفت إلى ضرورة معرفة ميول المراهق وهوايته واحتوائه، قائلاً: أنا كأب متخوِّف من آثار الألعاب الإلكترونية المليئة بالعنف والجريمة، ولا نستطيع منع هذا الجيل عنها، فإذا أردنا جذب المراهقين إلينا، فلابد من إقناعهم وتوجيههم ومعاملتهم بمسؤولية وتنمية مواهبهم لينطلقوا باحثين عن فرصهم في الحياة.
تأثير الانفتاح
وأوضحت فاطمة علي الظنحاني اختصاصية اجتماعية، أن المراهَقة فترة تطوير في العادات الاجتماعية والعاطفية والسلامة النفسية، ومن المهم التعامل معها بحذر، كاتباع أنماط نوم صحي، وممارسة التمارين الرياضية، وتطوير مهارات التكيّف وحل المشاكل. وتحدثت عن تأثير الانفتاح على المراهقين، بحيث أصبحت لديهم احتياجات جديدة، منها الحاجة الدائمة لـ «الإنترنت»، وللحب بسبب المشاهد العاطفية التي تعرضها القنوات. وكل ذلك يجعل المراهقين يكثرون من البحث في مواضيع قد لا تتناسب مع أعمارهم، وهنا يأتي دور الوالدين في توجيه الأبناء عبر الإرشاد.
وذكر خالد الكعبي اختصاصي اجتماعي، أن احتياجات المراهق تأتي بعدة أشكال. ومن الاحتياجات التي قد يغفل عنها الآباء، حاجته لإثبات مكانته الأسرية والاجتماعية، بألا يُعامل كطفل، وإنما كشاب قادر على تحمّل المسؤولية، مع حاجته إلى الخصوصية في هاتفه المحمول لاختيار التطبيقات والألعاب الإلكترونية. وهنا يأتي دور الأسرة في دعمه وتمكينه من اختيار الأصحاب، لحمايته من التعرّض للإساءة والاستغلال.
جيل مغترب
وأشارت بنة بوزبون استشارية نفسية، إلى أن جيل اليوم أصبح بعيداً عن الآباء، بسبب التكنولوجيا، ما يُسمّى بالعزلة النفسية التي أوجدها الارتباط الافتراضي مع أصدقاء وهميّين عبر برامج التواصل الاجتماعي، وانعدام التواصل المباشر، ما تسبّب في صراع بين المراهق ووالديه.
وشرحت أن السبب يعود لعدم قدرة الوالدَين على مواكبة هذا التطور، وأصبح المراهقون ينظرون إلى آبائهم وكأنهم أعداء لهم ويحكمون على تصرفاتهم بطريقة غير مقبولة. وكل ذلك نتيجة افتقاد لغة الحوار وتحوّل العلاقة إلى الأوامر والطلبات والصراخ والتهديد بالخروج من المنزل وإيذاء النفس، وهنا يجد الأهل أنفسهم غير قادرين على مواجهة هذا الضغط، فيتنازلوا ويقدِّموا لابنهم المراهق ما يريده، خوفاً عليه. وذكرت أن أسلوب الضغط على الوالدَين متداول بكثرة بين المراهقين.
حكمة
قالت بنة بوزبون: نوجِّه أولياء الأمور بضرورة التعامل مع سلوكيات المراهقين بحكمة، وبعدم الاستجابة لطلبهم في حينه حتى لا يكون ردهم تحت ضغط نفسي. ولابد أن يتقرّب الآباء منهم بتواصل فاعل، من خلال الحوار المتبادل، وأن تكون المظلة الأسرية متوازنة، ما ينعكس إيجاباً على المراهقين حتى لا يجدوا مجالاً للتمادي.
سياسة مثلى
تشمل سياسة التعامل المثلى مع المراهق: عدم الخوف من ردود أفعاله، الاستماع إليه، الحديث معه بهدوء، لغة الجسد تكون واضحة، محاولة تغيير الأصدقاء المؤثِّرين سلباً على سلوكه، إشراكه في أنشطة فنية ورياضية وتطوعية.