لكبيرة التونسي (أبوظبي)

من أجل تعزيز مفهوم الاستدامة والتصدي للتغيرات المناخية، تتبنى الإمارات الأفكار الإبداعية لتكون في مصاف الدول العالمية في مجال إنشاء مدن مستدامة ضمن رؤية مبتكرة، تستشرف من خلالها المستقبل، بحيث تهدف إلى تحسين جودة حياة قاطنيها والحفاظ على متطلّبات الأجيال المقبلة، وتوفير فرص للأبحاث حول كيفية قدرة المجتمعات السكنية بتقليل انبعاثات الكربون والحفاظ على البيئة.. فما هي المدن المستدامة؟ وما هي معايير تأسيسها؟ وأهدافها؟ وكيف تسهم في التصدي للتغيّرات المناخية؟
أوضح يوسف أحمد المطوع، المدير التنفيذي لمدينة الشارقة المستدامة أن الاستدامة بالنسبة للبشر تعني الحفاظ على جودة الحياة التي نعيشها على المدى الطويل، وهذا بدوره يعتمد على الاستخدام المسؤول للموارد الطبيعية بطريقة تلبي احتياجات الأجيال الحالية والمقبلة المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية، موضحاً أن تأسيس المدن المستدامة يتم وفق عدة معايير وعناصر يجب مراعاتها أثناء تصميم وبناء المدن المستدامة، أهمها الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي تعد العناصر الأساسية لضمان استدامة المجتمعات. 
وأضاف: خلال السنوات الماضية تغير الناتج الاجتماعي للنشاط الاقتصادي، أو ما يعرف بالتنمية الاجتماعية من ناحية الشروط، حيث دخلت معايير الاستدامة وحماية الموارد والحفاظ على المسطحات الخضراء وحماية الصحة العامة، والحد من انبعاث الغازات السامة على قائمة شروط التنمية عموماً، بل أصبحت هذه المعايير الحديثة قاعدة أساسية للتنمية المستدامة ومطلباً دولياً ملحاً لا يمكن تجاهله.

  • يوسف المطوع

أهداف 
وبالحديث عن فوائد المدن المستدامة أشار إلى أنها تهدف إلى أنها بجانب تحسين جودة الحياة لقاطنيها دون المساومة على متطلّبات الأجيال المقبلة، تركز على توفير فرصٍ للأبحاث حول كيفية قيام المجتمعات السكنية، وتحقيق أعلى معايير الحياة المستدامة للمجتمع، وتلبية احتياجات الإنسان في عدة مجالات، وذلك عبر مبادرات وتوجهات لغد يحافظ على البيئة والإنسان. 

معايير
وعن معايير المدن المستدامة أكد أنه في مدينة الشارقة المستدامة يتمّ تشغيل المدينة كلياً بالطاقة المتجدّدة التي يتمّ إنتاجها بواسطة الألواح الشمسية مع إعادة تدوير المياه والنفايات، كما تتمّ فيها زراعة مختلف أنواع الخضار والفاكهة باستخدام التكنولوجيا الحديثة في البيوت الخضراء، إضافة إلى ذلك، تمّ تجهيز الفلل بمعدّات وأجهزة لتوفير استهلاك المياه، كما تتميّز المدينة بحلول التنقل الكهربائي، بما في ذلك محطات شحن المركبات الكهربائية، وتوفير مسارات بطول 2.4 كم مكرّسة للمركبات الكهربائية ذاتية القيادة.

تأثيرات
وأوضح المطوع أن العديد من الدراسات، والتي تركز على دولة الإمارات وشبه الجزيرة العربية أكدت أن متوسط درجات الحرارة في المنطقة قد ارتفع، خلال السنوات الماضية، وأنه سيستمر في الارتفاع، وأن هذه التغيرات المناخية ستؤدي إلى مجموعة من التأثيرات على عدة قطاعات بما في ذلك الطاقة والبنية التحتية، والصحة والزراعة والبيئة، مما جعل حكومة الإمارات تتخذ الخطوات الصحيحة للتصدي لهذه التحديات، حيث تركز الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات على تحسين جودة الهواء، والحفاظ على موارد المياه الجوفية وزيادة مساهمة الطاقة النظيفة، وتنفيذ خطط النمو الأخضر.

وقال: كجزء من أهدافها، وبحلول عام 2050 سيكون هناك توفير في المياه بنسبة 30%، وزيادة بنسبة 40% في كفاءة الاستهلاك، وإمداد بنسبة 50% من الطاقة المتجددة والنظيفة لتحقيق خفض بنسبة 70% من بصمتنا الكربونية، حيث تهدف الاستراتيجية إلى وضع دولة الإمارات في مكانة رائدة عالمياً في مجال التقنيات الخضراء التي تدعم النمو الاقتصادي، وأضاف: «لتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية علينا إعادة التفكير في نهجنا الأساسي للتنمية الاقتصادية التي تبدأ بتطبيق الاستدامة بشكل أساسي على أسلوب حياتنا». 

جودة الحياة 
وأكد المطوع أن المشاريع الرائدة في مجال الاستدامة مثل مدينة الشارقة المستدامة سوف تعمل على تعزيز، وإبراز أهمية البناء المستدام الذي لا يساوم على نمط الحياة وجودتها ويحسن من النظام البيئي، ويضمن التنوع البيولوجي وإثرائه، ويقلل من تلوث الهواء، ويساعد على تخزين المياه، وعلى تبريد الهواء عند ارتفاع درجات الحرارة، وهكذا يمكن لجميع المشاريع العقارية التقليدية الاستفادة من هذه الممارسات من خلال إدماج عناصر مستدامة فيها، ولهذا حرصت حكومة دولة الإمارات على تشجيع الاستثمار في المشاريع الخضراء من خلال خلق بيئة استثمارية جاذبة وتشريعات وأنظمة إدارية مرنة، وكذلك عززت مبادرات الشراكة بين القطاعين العام والخاص والمنظمات الدولية ذات الصلة، وهذا الدعم الرسمي الذي توفره الدولة يعني أن مستقبل قطاع المدن المستدامة سيكون واعداً.

الهوية الثقافية
ولفت إلى أن الإمارات من المجتمعات المحافظة على خصائص هويتها الثقافية التي يتوجب علينا نقلها بعناية واهتمام إلى الأجيال المقبلة، حيث تعبّر الهوية الثقافية عن قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا، كما تعكس العناصر الثقافية الأساسية التي تهدف إلى زيادة المساحات الخضراء، وتطوير موارد المياه، وتحسين البيئة وحمايتها من التلوث، وحماية التنوع البيولوجي، لذا فإنه من واجبنا جميعاً كمجتمع وأفراد ومؤسسات – أن تتضافر جهودنا للحفاظ عليها وترسيخها باعتبارها الأساس لكل حراكنا الثقافي وإرثنا الذي سينتقل إلى الأجيال المقبلة، لذلك تبذل الدولة جهوداً كبيرة في بناء مستقبل مستدام من خلال تبني استراتيجية استدامة شاملة تحافظ على البيئة والهوية الثقافية الأصيلة التي تناقلها مجتمعنا منذ فجر التاريخ، وشكلت مصدر اعتزاز وفخر.