لكبيرة التونسي (أبوظبي)
بشغف كبير تحدّثت شيخة علي عن فريج العريبي في رأس الخيمة، الذي ولدت وترعرعت فيه. تستحضر الحياة البسيطة الراسخة في مخيّلتها، وتستدعي تاريخاً عريقاً لمنطقة حرستها قلعة تاريخية، مؤكدة أن فريجها كانت سكيكه ضيّقة، وبيوته من عرشان وصناديق، إلا أن قلوب أهله واسعة. يأكلون مما تزرع أيديهم، ومما يربونه من دواجن وأغنام، بحيث اتسمت حياتهم الاجتماعية بالترابط والتكافل والتراحم، ومازال مخزون تراثه الإنساني والحضاري ماثلاً أمامنا إلى اليوم. و«العريبي» كان بمثابة الحزام الأخضر للإمارة، وقد تميّز بأشجار السمر ومياهه العذبة وكثرة «الطويان» أي الآبار، إضافة إلى وجوده في منطقة تقع بين واديين.
جالت ابنة فريج العريبي بذكرياتها، متنقلة بين ترابه وأمسياته الصاخبة، وكأنها تسير في سكيكه الآن، وتمارس شغبها الطفولي، موضحة أن معظم معالمه القديمة اختفت، وما زالت راسخة في مخيّلتها. وأكّدت أن سعادتها الحقيقية عاشتها في هذا الفريج مترامي الأطراف، حيث ضحكات الأطفال وأصوات النساء والرجال، وأحاديث ووصايا ومواقف وحكايات في البال، تتجسّد في كل زاوية فيه حيث عاشت طفولتها وصباها قبل الزواج.وقالت: كنت أقضي وقتاً طويلاً في اللعب برفقة الأطفال، كنا مثل الإخوة، جمعتنا أحلامنا الصغيرة والألعاب الشعبية التي كنا نصنع بعضها بأنفسنا، وحينما كبرت واشتد عودي دخلت المطبخ لأصبح صاحبة البيت بعد زواجي وعمري 16 عاما.
بساطة العيش
استعادت شيخة علي تاريخاً عريقاً، نقلته عبر صور وحكايات، أبطالها أناس عاشوا مترابطين ضمن عادات وتقاليد أصيلة، وحياة مليئة بالأحداث والتفاعلات، اتسمت بالفرح بالرغم من بساطتها.
وعن قوة العلاقات الاجتماعية التي ميّزت الفريج قالت: عشنا حياة بسيطة، كنا نبدأ يومنا باكراً، ونقضي الوقت في اللعب والركض بين السكيك ووسط الطبيعة والمساحات المفتوحة، وكنا في الليل نتنافس على عد النجوم، حيث كانت السماء أكثر صفاء والطبيعة أكثر بهاء. وأضافت: وسط هذه الأجواء تعلّمنا الحياة، وتبلورت شخصيتنا وعرفنا كيف نتجاوز المشاكل البسيطة، كما تربينا على احترام الكبير ومساعدة المحتاج وتعلمنا معاني العطاء، حيث كان سكان الفريج عائلات متداخلة قائمة على بالمحبة والتربية، حتى أصبحوا بيتاً واحداً وعائلة واحدة.
عرشان
تميّز فريج العريبي ببساتين النخيل، وكانت أرضه المترامية الأطراف خصبة يتوافد إليها الناس من كل مكان طلباً لما تجود به مزارعها وارفة الظلال. وكان الفريج آمناً وسعيداً، ليس فيه غريب أو دخيل، ومعظم بيوته تكوّنت من عرشان وصناديق، فيما عدد قليل منها تشكّل من الطين.
شجرة السمر
شجرة السمر كانت بالنسبة لأطفال الفريج ملاذاً آمناً للعب، وشكّلت طعاماً للأغنام والدواجن، واستُعملت أخشابها حطباً لإعداد الطعام.
وهي المكان المفضّل لتثبيت «المريحانة» أيام الأعياد والمناسبات الجميلة، حيث الألعاب الشعبية عبارة عن الصقلة، وما يصنع منها يدوياً.
حافظ التراث
إضافة لكونه حافظاًً لعادات وتقاليد وتراث أهل المنطقة، فإن فريج العريبي يُعد راوياً لتاريخ رأس الخيمة القديم، حيث تتوسطته قلعة العريبي التي لا تزال شاهدة على حقبة تاريخية ضاربة في القدم. وتشكِّل مكوِّناً أساسياً من البيئة.
وفي ذلك الوقت لم يكن الأطفال يقتربون من القلعة، ليس خوفاً وإنما رهبة، فقد كانت بمثابة حارسة الفريج، وهي تتكوّن من مربعة ضخمة استخدمت كمركز للشرطة.
الأسرة الممتدة
في فريج العريبي كما بقية فرجان الإمارات، حظي الأجداد بمكانة كبيرة، وتميّزوا بالأسرة الممتدة، حيث كانت الكلمة الأولى للجدّ والجدة. وكان يسوده احترام الكبير والعطف على الصغير، بينما تحرص الأم على تعليم بناتها تفاصيل الحياة، من أعمال البيت، والقدرة على تحمّل المسؤولية. ولم تكن الأمور توكل إلى الخدم، فالمرأة تخيط ملابسها بنفسها، وتعمل داخل البيت وخارجه.