عبد الله أبو ضيف (القاهرة)

قرابة الثانية عشرة ليلاً، حيث كان الجميع يهنأون بنومهم، إذ موجة طقس سيئة تضرب المدينة الساحلية «الإسكندرية»، وتنتشر فجأة تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي «مطلوب غواصين، مركب غارق في ماريوط لعيلة كاملة وفي أطفال»، وهنا كان لـ«غواصي الخير» الظهور الذي غيّر موقف هذه الأسرة حتى ولو تحولت إلى جثث.

غواص الخير «غواصو الخير» هي رابطة بدأت في الإسكندرية، لتتحول مع الوقت إلى جمع كبير ينضم له أعضاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ساهمت المجموعة في الإسكندرية ببطولة كبيرة في انتشال نحو 15 جثة، بينها جثث 3 أطفال تحت سن العاشرة، يقول منسقها إيهاب المالحي: «نحن لا نتقاضى أموالاً، لكن المساعدة أمر يستحق والخير كذلك».

جويدة والد اثنين من الضحايا، رجل ستيني يعيش في أطراف المحافظة الساحلية، جلس على الشاطئ ممداً ساهياً، لا يعرف كيف يضم أبناءه حتى ولو كان في الوداع الأخير، يقول لـ«الاتحاد»، إن الغواصين لم يهدؤوا ولو لوقت قصير كل ما في وسعهم قاموا به وفي النهاية أصبحت الأسرة بالكامل تحت الثرى متجمعون ولو أموات.

يقول الحاج جويدة والد الضحايا، إن الأمر كان طبيعياً، نخرج للمرح كل فترة عبر مركب بسيط، ثم نعود قبل الليل بقليل، لكن هذه المرة لم تسلم الجرة، فقدت اثنين من أبنائي قبل أن يعودا لنهنأ بالجمع مثل كل مرة، حيث غرقت المركب وهما معها، لكن أمر الله نافذ في النهاية وذهبا لمصيرهما وهو الموت.

المالحي منسق الغواصين، أكد أن المجموعة تهدف للقيام بهذه المهمة كلما نادى أهل الإسكندرية للاستغاثة، ومع الوقت أطلق الناس على المجموعة «غواصي الخير»، ربما لم يكن لكل هذه الجثث أن يتم انتشالها في هذه المدة القصيرة بالمقارنة مع الطقس السيئ الذي كان من المتوقع أن نصل معه إلى آخر جثة بعد 10 أيام على الأقل.

ألف جثة تم إنقاذها أشرف زيتون واحد من هؤلاء «غواصي الخير»، كما يحب أهل الإسكندرية تسميتهم، يقول لـ«الاتحاد»، إن هدف المبادرة بشكل أساسي هو انتشال الجثث وسترهم وجبر خاطر أهل المتوفين من خلال غواصين متطوعين من أنحاء الوطن العربي يتواصلون بشكل دائم مع بعضهم بعضا من أجل المساعدة ونقل الخبرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

يشير زيتون إلى أنه ساهم بنفسه مع الفريق في انتشال نحو ألف جثة من البحر، بينما القارب الأخير في ماريوط، كان عليه حوالي 20 شخصاً، 9 حالات وفاة، و5 حالات خرجت ناجية من الحادث الأليم، الأمر كان جللاً وفي وقت متأخر من الليل، لكن هذه هي مهمة غواصي الخير «جبر الخواطر».

هادي أحد هؤلاء الغواصين الذين يجازفون بحياتهم من أجل انتشال الجثث منذ بداية الحادث، حيث لم ينتظر التكليف الرسمي، وعلى الرغم من عمله محامياً، إلا أن مهارته في الغوص جعلته يتطوع منذ اللحظة الأولى التي تم إطلاق الغوث فيها من الأهالي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أن الحادث كان في وقت متأخر.

وأضاف هادي لـ«الاتحاد» أن حجم الجهد الذي يبذله الغواصون يظهر في أنه هو نفسه وصل إلى ساعة ونصف الساعة تحت الماء، ما يعني ضرورة خروجه حتى لا يصاب بسكتة قلبية تودي بحياته، الأمر الذي ينطبق على الجميع، مشيراً إلى أنه بداية من يوم غدٍ سينضم فريقان من الغواصين قادمين من مطروح والقاهرة في محاولة للعثور على بقية الجثث.

حضن أخير 45 شخصاً من «غواصي الخير» شاركوا في الحادث الأخير في الإسكندرية، اعتبرهم «مراجع» أحد أهالي الضحايا في حديثه لـ«الاتحاد» أنهم أبطال الواقعة الذين لن ينسى لهم خيرهم على عائلته بعد انتشال الجثث من الماء، موجهاً الشكر الكبير لهم بسبب مجهودهم خلال فترة البحث التي استمرت لنحو 72 ساعة كاملة في أجواء صعبة على مستوى الطقس والذي لم يكن على أفضل ما يشاء، لكن في النهاية تمكنوا من إنهاء المهمة بنجاح.

المالحي كابتن الفريق، اعتبر أن المبادرة لم تكن لتنجح بهذا الشكل لولا أنهم للخير فعلاً، من دون تقاضي أي مال من أهالي الضحايا، ومع كل ما حققوه في الإسكندرية، أصبح «غواصو الخير» في أكثر من محافظة على مستوى مصر لنفس الهدف، جبر خواطر الناس وانتشال الجثث من الماء حتى يتمكن أهاليهم من حضن أخير.