هناء الحمادي (أبوظبي)
قيل عنه في الماضي إنه كان أرضاً خضراء لا ترى فيها الناقة من كثرة العشب، واليوم نرى وجهاً جميلاً آخر، فقد اجتمعت خضرة المزارع مع بياض البيوت وحمرة الرمل لتشكل لوحة لونية مكتظة بالحياة تسعد الناظر وترضي ساكني تلك الأرض.
شعبية أو فريج وشاح التابع لمدينة الذيد في الشارقة، هي شعبية تبعد عنها بنحو 8 كلم، كما تحدها من الجنوب منطقة مليحة، وترجع تسمية وشاح إلى طوي وشاح، التي جفت مياهها، حالها حال معظم آبار مناطق البادية في الدولة، حيث يرتبط اسم المكان في الأغلب ببئر «طوي».
تلال الرمال
عبيد بن غرير الكتبي ترتسم عليه ملامح الزمن الجميل وتقاسيم الحياة التي عاشها في هذا الفريج، حيث يسترجع بذاكرته الماضي البعيد الذي يستذكر لحظاته الحلوة وطفولته التي عاشها في «وشاح» ويستعيد فيها صوراً عفوية جميلة قد تكون باهته الألوان وقد تكون ممزقة وقد تكون مهملة إن كانت صوراً حفظت في ألبوم صور، أو صندوق خاص للذكريات، إلا أنها محفوظة بالذاكرة وكأنها لقطة سجلتها الكاميرا للتو لصدقها.
ويقول: «من الأشياء والصور الجميلة التي ما زالت عالقة في الذهن هم الجيران والصحبة والصداقة ورفقة العمر وبيوت العريش، وبيوت الشعر وتلال الرمل التي تعلو وتهبط كوشاح في مهب الريح، ويأتي المشهد الآخر لمساكن الناس المرتفعة والمتألقة ببياض رائق، وخلفها ترتسم لوحة أخرى لبساتين نخل غناء تنفي التصحر عن المكان، وتؤكد أن الأرض كريمة تعطي من خيراتها وتثمر إذا ما اهتم بها الإنسان».
أشجار السمر
الوالد عبيد بن غرير الكتبي الذي تميز بالاهتمام بالحكايات والقصص التراثية، ذكر أرجع تسمية المنطقة إلى أنها تقع في طرف الوادي، فتكون كأنها وشاح له، وقد عاش في هذه المنطقة أناس كثيرون كانت مساكنهم من بيوت الشعر وعرشان السعف، وهذه المنطقة لم تكن جرداء، فقد كان فيها الغاف والسمر، وفيها من كل عود والوديان تجري تحت العرقوب، حيث تحيط بها من كل جانب مثل وادي كدرة ووادي مليحة الذي يمر شمال وشاح ووادي المنهدم.
طوي وشاح
ويضيف: عُرف أيضاً لدينا بوجود طوي (بئر ماء) يسمى طوي «وشاح» يشرب الناس منه ويسقون مواشيهم وإبلهم، وقد كانت البيوت في الصيف عرشان سعف وفي الشتاء بيوت الشعر التي تصنعها النساء. وعن أهم الأعمال التي يقوم بها سكان الفريج يذكر الوالد عبيد «حياة أهل الفريج كانت جداً بسيطة عاشوا حياة بسيطة، يعتمدون على ما توافر في بيئتهم، فقد مارسوا الرعي، والاشتغال ببعض المهن البسيطة، وكانت وسيلة النقل الرئيسة هي الجمال، والتي كانوا يسافرون بها إلى الساحل، للتبضع في أسواقه. ويضيف: «مع قدوم فصل القيظ كنا نتنقل في فصل الصيف إلى بعض المناطق الزراعية القريبة، كالسيجي وشوكة. وقبل قيام الاتحاد، لم تكن هناك مدارس أو مستشفيات، وكانت فرصة التعليم الوحيدة هي تعلم القرآن الكريم على أيدي بعض المربين». ويؤكد «كانت المنطقة معبراً للتجارة، تربط ما بين الشارقة وعجمان وأم القيوين، ومن الطبيعي أن يستريح التجار في المنطقة، ما كان يزيد من التواصل الاجتماعي فيما بينهم، وذلك عندما كانوا يخيمون في منطقتهم ويقوم الأهالي بزيارتهم».
وديان
ومن المناظر المحفورة في ذاكرة الوالد عبيد والتي لا ينساها: جريان الأودية فقد كانت تمر قربنا، ففي السابق كان هذا المشهد شبه سنوي، وكانت الوديان التي تقطع أو تمر بمنطقتنا تكمل مسيرها وتمر على الذيد وفلج المعلا.
وعن طبيعة الحياة في الماضي أوضح «كانت صعبة، نظراً لمحدودية الأنشطة الاقتصادية، فالبعض كانوا يملكون بعض أشجار النخيل البسيطة، ويعيشون عليها، ويسكنون بقربها في فصل الصيف، أما في فصل الشتاء، فكان الناس يتنقلون من مكان لآخر، بحثاً عن المرعى لإبلهم ومواشيهم. وكان بعضهم ينتقل إلى الساحل للتزود ببعض الاحتياجات البسيطة».