طه حسيب (أبوظبي)

في كتابه «القارة القطبية الجنوبية»، سلّط كلاوس دودز أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة لندن ومحرر مجلة «ذي جيوغرافيكال جورنال»، الضوء على تفاصيل قد لا تكون متاحة لكثيرين عن هذه المنطقة النائية التي يسميها بعضهم «أنتاركتيكا». 
ويستهل «دودز» سرده لقصة القارة القطبية الجنوبية، مشيراً إلى نظرية الانجراف القاري، لصاحبها الجيوفيزيائي الألماني «ألفرد فاغنر» التي تفترض أن القارة القطبية الجنوبية كانت جزءاً من قارة عظمى تدعى «بانجياً»، التي نشأت قبل 300 مليون سنة، وتفكت بعد مرور 100 مليون سنة، لينشأ التشكيل الراهن للقارات. هذه النظرية ظهرت للعيان عام 1912، الذي شهد مصرع روبرت سكوت وفريقه في القطب الجنوبي، هذه القارة، حسب «دودز»، تعد آخر القارات التي اكتشفها البشر، لكن وجودها ورد في افتراضات طرحها المستكشف البريطاني القبطان «جيمس كوك» عام 1773، وبعد 100 عام يقول «دودز»: شوهدت الجزر القطبية الجنوبية ورُسمت واستكشفت جزئياً. 
المنطقة القطبية الجنوبية تشير إلى كل ما يقع أسفل الدائرة القطبية الجنوبية (أو خط العرض 66 جنوب خط الاستواء) بما في ذلك الجروف الجليدية والمياه، هذه المنطقة تشهد يوماً واحداً على الأقل من ضوء النهار المستمر كل سنة في ما يعرف بـ(انقلاب ديسمبر)، وفترة مشابهة من الليل المستمر مرة واحدة في لسنة، الذي يسميه العلماء (انقلاب يونيو). 

منطقة غنية بالحياة البرية
هذه المنطقة من العالم غنية بالحياة البرية، وهذا ما جعل المادة رقم 3 من بروتوكول معاهدة أنتاركتيكا المتعلق بحماية البيئة لسنة 1991 طالب ما يسمى بالأطراف الاستشارية لمعاهدة أنتاركتيكا بالالترام بحماية البيئة القطبية الجنوبية. مساحة القارة 14.2 مليون كيلو متر مربع أي أكبر من مساحة الولايات المتحدة بنحو 6 ملايين كيلو متر مربع.
 ولدى القارة ساحل يمتد بطول 18 ألف كيلو متر تقريباً، وتغطي الصفيحة الجليدية 98 في المائة من سطح القارة، التي تحتوي  على 90 في المائة من جليد العالم و70 في المائة من مياه الأرض العذبة. وفي حال ذابت الصفيحة الجليدية فمن المتوقع أن ترتفع مستويات البحر إلى 60 متراً ما سيسفرعن نتائج مدمرة على المناطق المنخفضة من العالم. 

تاريج جيولوجي معقد
جيولوجياً، يشير «كلاوس دودز» إلى أن القارة القطبية لديها تاريخ طويل ومعقد، حيث يتراوح تركيبها من الصخر البلوري ما قبل (العصر الكمبري)- أي قبل ما يزيد على 590 مليون سنة- إلى الرواسب الجليدية حديثة العهد، ويوجد بعض أكبر صخور العالم في «أنتاركتيكا»، التي ترجع إلى ما قبل مليارات السنين، اللافت أن هناك أدلة جيولوجية على أن هذه القارة لم تكن تتميز دائماً بالثلج والبرد بل كانت قارة خضراء في جانب كبير من تاريخها، وتكشف الصخور الرسوبية الموجودة في منطقة شبه جزيرة «أنتاركتيكا». عن أعشاب بحرية مدارية متحجرة وعينات من حبوب الطلع، بينما توجد رواسب لنباتات تظهر في مناخات معتدلة بمناطق جبلية داخل القارة. 

تحركات قارية
ويلفت«دودز» الانتباه إلى القارة القطبية الجنوبية التي نراها الآن كانت خلال العصر الكمبري، أي قبل 590 مليون سنة جزءاً من قارة عملاقة تُسمى (غوندوانالاند)، تتكون من أميركا اللاتينية وأفريقيا وأستراليا وأجزاء من الهند ومدغشقر ونيوزيلندا، وكانت تقع على جانبي خط الاستواء وترسبت بها طبقات من الحجر الجيري والرملي، ثم انتقلت هذه القارة العملاقة قبل 480 مليون سنة إلى نصف الكرة الأرضية الجنوبي. 
الصفيحة الجليدية القطبية الجنوبية الهائلة تكونت وتراكمت على مدار ملايين السنين، وفي عام 2002 شهد جرف (لارسن بي) الجليدي بعض التفلقات، واعتبر ذلك مؤشراً على احترار الأرض، ما جعل المجتمع العلمي العالمي يهتم كثيراً بالتغيرات التي تطرأ على كتلة الصفيحة الجليدية في القارة.

جليد بلا سكان
 يقول «دودز»: لا يوجد في «أنتاركتيكا» سكان محليون، وأول السكان شبه الدائمين كانوا صيادي الفقمة البريطانيين والأميركيين ممن عاشوا في منطقة ساوث جورجيا بالقارة منذ أواخر القرن الثامن عشر، وبعد 200 عام أصبحت المنطقة مستقراً لصيادي الحيتان خاصة النرويجيين، ويشير الكاتب إلى أن عدد المقيمين في القارة يتراوح ما بين 5000 شخص في فصل الصيف الذي يحل في القارة القطبية الجنوبية خلال الفترة من (أمتوبر إلى مارس من كل عام) ويتراجع العدد في فصل الشتاء إلى 1000 شخص. وكان أول طفل تتم ولادته جنوب خط العرض 60 هو الأرجنتيني إميليو ماركوس بالما عام 1978، وذلك في محطة بحوث تقع عند رأس شبه جزيرة«أنتاركتيكا». 
وعن ملامح الحياة البرية في «أنتاركتيكا»، يشير «دودز» إلى أن القارة بها طيور وأنواع من الفقمة والبطاريق والقطرس والحيتان والأسماك قرابة 250 نوعاً، والكائنات الصغيرة مثل الكريل (الذي يشبه الروبيان) الذي يوفر سلسلة غذائية للأسماك والفقمات والحيتان والطيور، ضمن نظام بيئي بسيط لكنه متنوع، إضافة إلى أشكال الحياة الموجودة في قاع المحيط كالإسفنج ونجوم البحر. 
وتتخذ الحيتان من المحيط القطبي الجنوبي موطناً فصلياً، وتعرضت لعمليات صيد كبيرة في النصف الأول من القرن العشرين، وتصل أعداد حوت الأوركا (الحوت القاتل) في الصيف 80 ألفاً.

الشمال والجنوب.. مكمن الاختلاف
يوضح كلاوس دودز مدى الاختلاف بين القارة القطبية الجنوبية ونظيرتها الشمالية، الأولى تخلو من السكان الأصليين في حين يعيش 4 ملايين نسمة في القطي الشمالي، واقتصادياً يتم استغلال منطقة القطب الشمالي استغلالاً كثيفاً في مجال الطاقة وتطوير الموارد، بينما تقتصر منطقة القطب الجنوبي على مجالات صيد الأسماك والسياحة. وتخضع القارة القطبية الجنوبية لمعاهدة تحظر كل أشكال التعدين، وتُشجع العلوم وتحرص على بقاء المنطقة منزوعة السلاح، ويحظر البروتوكول الخاص بالبيئة كل أشكال التعدين، وذلك على الرغم من كميات مكتشفة من النحاس واليورانيوم والكروم والحديد. وحسب الكاتب، لا أحد يمتلك القارة القطبية الجنوبية، والمجتمع الدولي لا يعترف بمطالبات الدول السبعة حول المنطقة، (الأرجنتين وأستراليا وتشيلي وفرنسا ونيوزيلندا والنرويج والمملكة المتحدة)، وفي المقابل ما يزال القطب الشمالي منطقة عسكرية وتحكمه دول قطبية مثل كندا وروسيا.