نسرين درزي (أبوظبي)

حقيبة السفر التي رافقت الشعوب على مر العصور في حلِّها وترحالها، حيناً للهجرة والبحث عن فرصة عمل في الخارج، أو بقصد السياحة واستكشاف بلدان جديدة، شهد تطوّرها عبر التاريخ مشهديات مفعمة بالأحداث والروايات. وباتت «حمّالة الذكريات»، بحد ذاتها رحلة شيّقة من الجميل التوقُّف عند محطّاتها، والتعرّف إلى مشوارها الطويل منذ كانت من أقمشة الكتّان وصناديق الخشب، وحتى دخولها عالم الروبوتات.
مع بدء موسم الإجازات، وازدحام المطارات ومحطّات السكك الحديدية حول العالم، يكاد مشهد المسافرين المصطفّين للبحث عن حقائبهم، ليكون أمراً معقّداً، لولا اختلاف أحجامها وأشكالها وألوانها. ويختار كثيرون في مثل هذا الوقت من السنة تبضّع كل جديد ولافت منها، بما يميّزها عند كاونترات استلام الأمتعة ويختصر المزيد من الوقت للبحث عنها.

حمل ثقيل
وبالرغم من مرونة حزم الحقائب في زمننا، وسهولة التنقّل بها وجرّها وشحنها، لا تزال تشكِّل عند البعض حملاً ثقيلاً، يتبدّد حتماً إذا ما اطّلعوا بلمحة سريعة على قصص القدماء، وكيف تعاملوا مع ضخامتها ووزنها من الخشب والحديد، إلى أن وصلت إلينا بعجلات خفيفة ورشيقة.

عربات الخيول
بالاطلاع على الروايات التاريخية وأقدم ما يُعرض من ذاكرة الأفلام بالأسود والأبيض، يتضِّح أن تبدّل مفهوم الحقائب ارتبط بتطوِّر وسائل النقل والسفر. وبعدما كانت تُحاك من الصوف وأقمشة الكتّان، في زمن التنقّل على الدواب وعربات الخيول، تغيّر شكلها تباعاً، وواكبت تقنيات عصرها حتى دخلت اليوم عالم الذكاء الاصطناعي، وأصبحت قادرة على تعقّب وجه صاحبها كيفما اتجه، من دون الحاجة حتى إلى لمسها.

صناديق
بالعودة إلى العصور الوسطى، كانت حقائب السفر أقرب إلى صناديق من جذوع الأشجار، تُكسى بالجلد السميك وتُدعَّم جوانبها بالحديد حتى تقاوم عوامل الطبيعة وإسقاطها في أماكن التخزين، مثل باطن السفن. وكانت بلا شك ثقيلة الوزن ويقتصر امتلاكها على الأثرياء القادرين على استئجار حمّالين لرفعها ونقلها طوال الرحلة.

ألمنيوم
ظلّ المسافرون يعانون الأمرّين في أسفارهم حتى أواخر عام 1850، بعدما انتشرت صناعة الحقائب العملية التي واكبت حركات الهجرة، وبدأ وزنها يخفّ مع احتفاظها بحجمها الضخم، إذ كان لا بد من الإبقاء على الجوانب المعدنية لحمايتها. ولم تُحَل مشكلة الوزن نهائيّاً إلّا بعد قرن أي عام 1950، عندما ابتكرت المصمِّمة الألمانية ريموا، حقائب من الألمنيوم.

عجلات
الخبر السارّ في عالم السفر، كان عام 1972 عندما جاء الأميركي برنارد سادو، بفكرة إضافة العجلات إلى الحقائب، بحيث أصبح بالإمكان جرّها بسهولة بدلاً من حملها. ومنذ أكثر من نصف قرن، تعمل المصانع على تطوير حقائب السفر التي باتت في العقود الأخيرة تُصنَّع من الأقمشة ومركّبات «البروبيلين» الخاصة بالتغليف.

«ترنك»
عام 1920 أطلق الإخوة الأميركيّين شويدر باكورة إنتاجاتهم من حقائب السفر «سامسونايت»، التي انتشرت فيما بعد على نطاق واسع حول العالم، حتى أنه مع ازدهار حركة السفر بالطائرات، كادت الحقائب عموماً تُسمّى على اسمها. ومع الحفاظ على ملامحها الأصلية، تُحقِّق حتى اليوم أعلى نسبة مبيعات، ولا سيما مع إعادة إطلاق موديلاتها من عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، بلمسات حديثة على شكل صندوق الأمتعة «ترنك»، الذي اشتهرت به مدينة نيويورك. ومن مسمّياتها «هيرتيج ترنك»، «أبرايت»، «بيوتي كيس»، «آتاشيه» و«بيلوت كيس».

Luggage
ظهر مصطلح Luggage في قاموس Oxford الإنجليزي عام 1596، ودلَّ على الأمتعة الثقيلة التي يحملها المسافرون والمهاجرون وهم يسيرون أو يركبون الخيول، للتنقُّل من مكان إلى آخر، وكانت عبارة عن حقائب ظهر وأكياس فضفاضة وضخمة.

حقائب السفر أشكال وأنواع منها:
المحمولة
تلائم مقصورتي الطائرة العلوية والقطار، تضم عجلات ولا توضع أسفل المقعد

الـ 4 أرجل
يمكنها الدوران 360 درجة، مناسبة لتغيير الاتجاه سريعاً في الزوايا الضيقة ومزعجة على التضاريس الوعرة

الظهر المتجوِّلة
خفيفة الوزن، تصميمها مريح وسهلة في الحزم

نهاية الأسبوع
تضم مقبضين وحزاماً، مثالية للرحلات القصيرة وبِلا عجلات

القماش الخشن
تُستخدَم لنقل مستلزمات التخييم والتخزين والمعدّات الرياضية، واسعة من الداخل وفيها عجلات

الزينة المحمولة
مصنوعة من الجلد، أُصدرت لأوّل مرة لجنود الحربين العالميَّتين، وتُستخدَم لمستحضرات التجميل

أنتيك
هواة تجميع «الأنتيك»، يستوحون من الحقائب القديمة أفكاراً مبتكرة لتحويلها إلى قطع ديكور داخل البيت، أو إدخالها ضمن استخداماتهم اليومية. البعض يعمل على طلائها بألوان جاذبة والاستفادة منها كطاولة أو خزانة جدار، والبعض يجمع عدّة أشكال منها ويعرضها فوق بعضها كتحفة فنيّة.

ماري أنطوانيت
في مايو 2020 بيعت حقيبة سفر ماري أنطوانيت (1755 - 1793) آخر ملكات فرنسا، في مزاد علني بالقرب من قصر فرساي الذي أقامت فيه، بسعر 43.750 يورو، بحسب صحيفة Times Matta.
الحقيبة التاريخية مصنوعة من الخشب المبطّن بالجلد، غطاؤها يحمل مسامير بيضاوية الشكل، وفيها قطعة جلد عليها الأحرف الأولى من اسم المنزل الملكي الفرنسي، وشعار النبالة الخاص به. ويحتوي غطاؤها على نقش نحاسي يشير إلى غرفة الملكة رقم 10.

خفيفة ومتينة
الحقائب الأكثر انتشاراً لعشّاق الماركات حول العالم الذين يُفاخرون باقتنائها حتى اليوم، يعود تاريخ ظهورها إلى النصف الثاني من القرن 19، للمصمّم الفرنسي لويس فويتون، الذي كان أوّل من ابتكر حقيبة خفيفة ومتينة تُتيح توزيع كميّة أكبر من الملابس مع الحفاظ على شكلها.

الحقيبة الذكية
عام 2018 طوّرت شركة الروبوتات «فورورد إكس»، ومقرّها بكين، أوّل حقيبة سفر في العالم تعمل بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تحمل اسم Ovis. تستطيع الحقيبة من خلال مزج تكنولوجيا القيادة الذاتية والرؤية، تتبُّع صاحبها بدقة عبر خوارزميات التعرّف إلى الوجه، ونظام تحديد المواقع «جي بي أس» على مدار الساعة. فيها مستشعر داخلي للوزن، بطارية، أقفال إلكترونية ومنفذ «يو بي أس» لشحن الأجهزة أثناء التنقّل.