إعداد: د. شريف عرفة

أغلب الناس يواجهون مشاكل تتعلق بالعادات الغذائية خصوصاً هذه الأيام.. حيث يدعي البعض أن زيادة وزنهم جاءت بسبب تغير نمط الحياة الذي حدث بسبب «الجائحة».. فهل هذا الكلام صحيح حقاً؟ ما حقيقة الأكل العاطفي أو الطعام المريح، الذي يتناوله الناس لأسباب عاطفية لا جسدية؟
البروفيسور صوفيا أوسيمو Sofia Osimo الباحثة بجامعة لوزان في سويسرا، أجرت - معها زملاؤها - دراسة رصدت تأثير «الجائحة» على العادات الغذائية وظاهرة الأكل العاطفي بين الناس، والتي نشرت مؤخراً في الدورية العلمية «أبيتايت».. وعن هذه الموضوع كان لنا معها هذا الحوار.. 

  • الباحثة صوفيا أوسيمو (من المصدر)

ما هو الأكل العاطفي؟
تقول الباحثة: الأكل ليس مجرد وسيلة لإخماد الشعور بالجوع، ولكنه غالباً ما يكون طريقة للتعبير عن المشاعر. فمثلاً، نحن نأكل مع الآخرين بدافع الحاجة إلى الانتماء والتواصل وفتح أبواب النقاش الممتع، وأحياناً من أجل التنفيس عن مشاعرنا. 
«الأكل العاطفي»، يعني الميل إلى تناول الطعام لتهدئة المشاعر، مثل الحزن والإحباط وعدم الرضا في العلاقات الاجتماعية القائمة.

هناك العديد من الدراسات التي توثق كيف أن استهلاك الأطعمة الحلوة المذاق أو الأطعمة عالية السعرات الحرارية، مثل «الآيس كريم» والشوكولاتة والكعك يرتبط بزيادة في إفراز الإندورفين، وهي مواد تحسن الحالة المزاجية. ومع ذلك، لكن الأدلة العلمية تشير إلى أن الاعتماد على هذه الأطعمة يعود بفائدة نفسية حقيقية لمن يستهلكها، بل إن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتقييم دور الفروق الفردية في هذا الأمر.

«الجائحة» وزيادة الوزن
تضيف الباحثة: لمعرفة تأثير «الجائحة» على الأكل العاطفي، قمنا بإجراء تحليل بيانات 365 شخصاً في إيطاليا تتراوح أعمارهم بين 18 و74 عاماً، والذين استجابوا لاستطلاع عبر «الإنترنت» تم إجراؤه خلال المرحلة الأولى الصارمة من إغلاق العام الماضي، ومرحلة ثانية من الإغلاق، تتميز بقواعد أكثر مرونة... أجاب هؤلاء الأشخاص عن أسئلة تتعلق بحياتهم الأسرية وعلاقتهم بزملائهم وكيف تغيرت وظائفهم خلال هذه الفترة.

وأشارت البيانات إلى أن الأشخاص الذين أظهروا درجة عالية من القلق والاكتئاب والذين عانوا تدهوراً في نوعية الحياة والعلاقات الاجتماعية مقارنة بالفترة التي سبقت مرحلة التقييد، شهدوا زيادة في الأكل العاطفي، أي أبلغوا عن تناول الطعام بشكل متكرر استجابة لذلك للمشاعر السلبية التي مروا بها. ومع ذلك، فقد ترافقت مستويات عالية من التوتر مع نوبات من النهم القهري: فقد تناولوا كميات كبيرة من الطعام في وقت قصير نسبياً.

مواجهة «الألكسيثيميا»
يكمن حل مشكلة الأكل العاطفي في الاعتراف بأن الطعام ليس علاج المشاعر السلبية «كالقلق أو الملل..»، بل إن أولى خطوات ذلك التمييز جيداً بين الشعور الجسدي بالجوع، والشعور النفسي بالمشاعر السلبية.. فالتمييز بين المشاعر الداخلية والأحاسيس الجسدية أمر ضروري لتحديد الاستجابة الصحيحة.. كتحديد سبب المشاعر السلبية لمواجهته، وزيادة المشاعر السلبية، بطرق ليس منها الطعام.. إلا أن بعض الناس يعانون عدم القدرة على فهم وتمييز مشاعرهم وأحاسيسهم، وهو ما يسمى الألكسيثيميا..

عن هذا الأمر تقول أوسيمو: إن أهم شيء هو تنمية الوعي الذاتي بمشاعرنا وأحاسيسنا، لأن هذا مفيد في الحياة ككل.. وهي مهارة يبدأ تعلمها منذ الطفولة المبكرة.. فالطفل الصغير يبكى دون أن يعرف سبب ضيقه.. فقط يعرف أن هناك شيئاً ما خطأ.. لكنه يتعرف تدريجياً على المشاعر وأحاسيس الجسد عن طريق التفاعل العاطفي مع الأم.. ومع ذلك، فليس من المؤكد أن كل الناس يتعلمون أثناء نشأتهم تحديد مشاعرهم وأحاسيسهم بشكل صحيح.. لذلك فإن تعلم هذه المهارة أمر ضروري. وعندما تدرك أن العلاقة بالطعام، تعكس اضطراباً نفسياً، فمن المهم أن تتواصل مع معالج. عندما يكون من يعاني هذا شخص قريب منا، فعلينا التواصل معه وتوضيح فهمنا له وتقديم الدعم. ومع ذلك، فإن الدعم الودي أو الأبوي ليس كافياً.. فلا يمكن للشخص العادي أن يحل محل الطبيب بأي حال من الأحوال.