خولة علي (دبي)

يُنظر دائماً إلى الأخ الأكبر كمحور تدور حوله الكثير من القرارات في الأسرة لكونه السند والعضيد في المواقف. وقديماً، كثيراً ما كانت تُسند إليه المهام الصعبة في غياب الأب، إذ يرمز إلى عامل الأمان ويكون أحياناً عمود البيت وله كل الاحترام والتقدير.
كثيرة هي القصص عن مكانة الأخ الأكبر الذي لطالما يقود دفّة الأسرة، ويستخلص منه الجيل الجديد العِبر مستمعاً إلى شواهد متداولة عن دوره الفاعل، وذكريات تترك أثارها ولا تُمحى، فهل هو دائماً «دينامو» الأسرة؟

دور قيادي
تحدّث المهندس الزراعي مجدي عبدالله عن دوره كأخ أكبر في أسرته قائلاً: كنت الأخ والأب بعد وفاة الوالد، وكانت المسؤولية كبيرة، ولعبت دوراً قيادياً في المنزل، وكنت قريباً من إخوتي وأضحّي لأجلهم وفي سبيل سعادتهم وتوفير احتياجاتهم. واعتبر أن المهام الدقيقة في الأسرة، عادة ما توكل إلى الأخ الأكبر بحيث تتم تهيئته لهذه الخطوة من قبل الوالد وتعويد باقي الأبناء على احترام بعضهم بعضاً وتبادل العطف والحنان.

مشقّة منذ الصغر
وذكرت مريم محمد (ربة بيت) أنها لا تنسى الدور العظيم الذي قام به أكبر إخوانها، والذي تعتبره بمثابة والدها، مشيرة إلى أنه تحمّل مشقّة العمل منذ صغره، ولم يكن يفكّر بنفسه بقدر ما كان يفكّر بإخوانه. وظلّ هكذا حتى كبر الجميع وتزوجوا وانشغلوا بأسرهم، وعندها بدأ يلتفت إلى نفسه بعدما تقدّم في السن.
أضافت: هذه التضحية لا يمكن أن أنساها، وهو ما يزال الأخ العطوف الذي أرى من خلاله والدي، والسند الذي نلقاه في الشدّة.

رباط لا يُفك
تترجم ريسة الفلاسي (موظفة)، محبّتها لأخيها الأكبر بالقول: كان العضيد والسند وبمثابة أبي، ولا تحلو الحياة بدونه، إليه تركن روحي، لأنه الصديق الصدوق والسراج المضيء، وكثيراً ما كنت أستشيره في الشدائد.
تابعت: جمعتنا عاطفة صادقة ورباط لا يُفك وسجل ذاكرة ورصيد من الأفراح والأتراح. تقاسمنا عُمراً وغيابه أحدث فارقاً في حياتي، وقد لا يشعر بقيمة الأخ إلا من فقد أخاه.

3 نماذج
وأشارت حنان غواص (ربة بيت) إلى وجود 3 نماذج للأخ الكبير بحسب رأيها:
الأوّل، الذي يأخذ على عاتقه كل الأدوار والمسؤوليات وأداء الواجبات عن أفراد الأسرة، ويسعى إلى خدمتهم ورضاهم، بما فيهم زوج الأخت وزوجة الأخ والأحفاد، وهو كطبيب الطوارئ، يكون متواجداً عند أي اتصال أو موقف.
وقالت: هذه الصفات عشتها مع أخي عن قرب وكان يجد سعادته في سعادة الأسرة.
الثاني، الذي يعتبر نفسه كبيراً، ولا بد من احترامه ولا يقدّم خدماته إلّا عندما يُطلب منه وفي حدود استطاعته فقط، ويكون خارج نطاق القرارات الكبيرة في العائلة وبعيداً عن حل المشاكل أو تقديم النصائح.
أما الأنموذج الثالث، فهو الذي يتنازل عن دوره تماماً ويكون الأكبر على الورق فقط، يتواجد في الأفراح والعزاء، ويعزل نفسه تماماً عن العائلة ولا يربطه بها أي موقف فاعل.

كتف وغصن
أوردت جميلة الوطني (محامية)، أنها كلّما سمعت كلمة «أخي»، شعرت ببهاء الحياة في ظل سند يمنحنها الرؤية بـ4 أعين، لافتة إلى أن الأخ ليس امتداد الرحم وحسب، وإنما تجذّر في القلب والروح، والكتف الذي تستريح إليه لتهزم أوجاع الحياة.
وتعتبر أن الأخ العضيد ليس في ترتيبه بالأسرة، ولا في عمره، وإنما هو «الدينامو» في الظروف والمحن، والغصن الذي يحمل طيور العائلة، من الوالدين وحتى أصغر الإخوان.

القدوة
وذكر سلطان كراني خبير التنمية البشرية أنه لا يمكن تجاهل دور الأخ الأكبر في تأثيره على تربية باقي الأبناء، ويتلخّص دوره بأنه القدوة للجميع.
وقال: باقي الإخوان يلجؤون في الغالب إلى تقليده، من خلال نجاحاته وتفوّقه في الحياة، ويكون محوراً مهماً في تقديم النصيحة بشكل غير مباشر وعدم التدخّل في يوميات إخوانه، إلا عند الضرورة وبطريقة إيجابية.

منح الصلاحيات
أوضحت الدكتورة إسراء السامرائي أستاذ علم النفس بكلية الأم والعلوم الأسرية بعجمان، أن الابن الأكبر يمثّل فرحة العائلة إذ يغدقونه بالحب والدلال، وكلّما كبِر بالعمر ازدادت مكانته ومسؤولياته في الأسرة، وقد يعتمد عليه الوالدان بتوجيه إخوانه الأصغر سناً.
وتتحدّد مسؤولية الأخ الأكبر من خلال الصلاحيات والمساحة التي تُمنح له في التوجيه وتحمّل المسؤولية الملقاة على عاتقه، وكلّما كانت تنشئته قائمة على أسس تربوية صحيحة، كان دوره إيجابياً في الأسرة.

مشورة
أورد راشد بن هاشم، باحث في التراث، أن الابن الأكبر كان يقوم قديماً بمهام رب الأسرة، أثناء خروج الأب في رحلات السفر الطويلة طلباً للرزق، حيث تقع على الأم مسؤولية تربية الأبناء وغرس الخصال الحميدة بينهم.

وشرح أن بعض الأسر تنظر إلى من يمتلك الشخصية القيادية وتمنحه هذا الدور بغض النظر عن ترتيبه في الأسرة، ويمكن أن يتقدم لهذه المهمة الأخ الأصغر منه سناً نظراً لاتساع فكره. وهذا لا يعني أن يفرض رأيه على الآخرين، وإنما مشاورتهم للاتفاق على نقطة ترضي الجميع وفيها مصلحة الأسرة.
أضاف: أذكر حادثة مرت بنا بعد وفاة أخي الأكبر، واتفق إخواني على تسليمي، وأنا أصغرهم مهام النظر في قضية معينة، وطلبوا مشورتي فيها. ونظام التشاور هو ما أتّبعه مع أبنائي، بحيث نميل إلى الرأي الأصلح.

عدم التمييز
عن السلطة التي تُعطى للأخ الأكبر قالت الدكتورة إسراء السامرائي أستاذ علم النفس: قد تنعكس سلباً على علاقته بالجميع، وتتحول إلى تسلّط وتجاوز لصلاحيات الوالدين، وهنا قد تنشأ الغيرة والعداوة بين الإخوة.
وإنّ أفضل طريقة لتنشئة الأبناء، توزيع الأدوار بما يتناسب مع العمر، وعدم التمييز في المعاملة بينهم. ويجب أن تكون العلاقة قائمة على الاحترام المتبادل والمحبة والتعاون.

وضع حدود
ذكرت المستشارة النفسية هالة الأبلم، أنه مع أهمية دور الابن الأكبر، لا بد من وضع حدود له، بحيث لا يتجاوزها مع إخوته، من خلال جعله فرداً مسؤولاً في المنزل، مع غرس فكرة العطف على أفراد الأسرة ومساعدتهم عند الحاجة.
ولفتت إلى ضرورة منح الابن الأكبر الثقة، عبر القيام ببعض المهام في حال غياب الأب، وتكليفه بحل بعض المشكلات العالقة في المنزل، مع الثناء عليه ومدحه وتشجيعه.
أضافت: من المستحب إظهار الإعجاب بقرارات الابن الأكبر عندما تكون صائبة، على ألا يشعر مباشرة بهذا الثناء.