نسرين درزي (أبوظبي)
ليس السدو مجرّد نوع من النسيج التقليدي وحسب، وإنما جزء أساسي من حياة أهل البادية، وحرفة دخلت منذ القِدم في تفاصيل عيشهم، إذ لطالما استُخدم في تجهيز الخيام التي سكنوها، وحياكة البطانيّات والوسائد ومفارش الأرضيات، وزينة رِحال الإبل، وسيلة نقلهم الممتدة لأيام وليال. والسدو بمواده الأوّلية من صوف الأغنام وشَعر الماعز ووَبر الإبل، يحتل مكانة خاصة في المجتمع الإماراتي الداعي إلى حفظه للأجيال كموروث عريق، يعكس مثالاً ملموساً عن براعة الأوّلين في التكيّف مع بيئتهم الطبيعية.
بالحديث عن أهمية السدو كأحد أبرز الحرف المتوارثة، تمكّنت دولة الإمارات عام 2011 من إدراجه في قائمة «اليونسكو» للتراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل. وجاءت هذه الخطوة ضمن سعي الحكومة المتواصل للإضاءة على المشغولات اليدوية التي أبدعتها النساء البدويات وارتبطت بهنّ، وما قدّمته من مساهمات اقتصادية للأسرة في زمن قساوة العيش والبحث عن مصادر الرزق.
ماكينات ونسّاجات
من خلف ماكيناتهن التقليدية الضخمة التي ما زالت تستخدم تقنيات نسج السدو بالطريقة نفسها حتى اليوم، تفترش النسوة الأرض في مشهدية تجمعهن على الغزْل والحياكة، حيث يمارسن حرفتهن بمتابعة من الجهات المعنية بصون التراث. وغالباً ما يكون حضورهن لافتاً في مختلف المهرجانات، ضمن ورش مفتوحة للكشف عن مشغولاته الأصيلة. وجرت العادة أن يُغزل الصوف ويُحاك في مجموعات صغيرة، حيث تتبادل النسّاجات الأحاديث، ويلقين الشعر، وما يعرف بفن التغرودة.
مواكبة العصر
عن الحفاظ على صناعة السدو وتطويرها، تحدثت لـ «الاتحاد» ريف الخاجة مدير مشروع الغدير للحرف، أحد مشاريع هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، مشيرة إلى السعي لاستقطاب الشباب وتشجيعهم على التعرّف إلى إرث الأجداد وصونه بطريقة تواكب العصر. وقالت: نعمل على تقديم السدو بحلَّة مختلفة، ونحرص على إدخاله في الحقائب والكراسي والأزياء والأكسسوارات والقرطاسية، لافتة إلى أنه باستخدام طريقة النسج نفسها يمكن التفنّن بحياكة تصاميم مغايرة.
خيوط قطنية
أضافت الخاجة: نتعاون في «الغدير» مع أكثر من 200 حرفية، ونقدِّم السدو بأسلوب لافت فيه خيوط قطنية وألوان زاهية، بحيث نبقي على المفهوم التقليدي ونلتزم بأدواته، مع إضافات تساعد في نشره على أوسع نطاق.
وذكرت أن نقوش السدو كانت تعتمد قديماً على طقوس معيّنة مستوحاة من الصحراء، وكان عدد الخيوط يختلف بحسب عرض القطعة والتصميم. ومع الإبقاء على الموروث التقليدي، أشارت إلى أنه من الجميل العمل على ابتكار نقوش جديدة، وهذا ما عملت عليه الحرفيات في «الغدير» عبر تصميم قطعة سدو ضخمة ضمّت مجموعة أشكال جمعت بين القديم والحديث.
مهارة عالية
شرحت مباركة منصور محمد من مؤسسة خليفة بن زايد للأعمال الإنسانية، النقاط الأساسية لعملها الذي يتطلب مهارة عالية. وقالت: إن المعلومة الأولى لفنون السدو ترتبط باختيار الألوان، والتي ترتكز في الحاضر على الأبيض والأخضر والأحمر والأسود، تيمّناً بعلم الإمارات. ولفتت إلى أن أي قطعة نسيج مُحاكة بأسلوب السدو، تحتاج أقلّه إلى أسبوع عمل متواصل.
خطوات الحياكة
تتطلّب صناعة السدو عدة خطوات لتجهيز مواده الأوّلية حتى تصبح صالحة للنسج. وتبدأ بقص صوف الغنم وشَعر الماعز وجمع وَبر الإبل، ثم يتم تصنيفها حسب اللون والطول، بعدها يُنظَّف الصوف بضربه لإزالة الشوائب العالقة، مثل النباتات والأشواك. وتُستكمل عملية التجهيز بتنظيف الصوف مراراً بالماء مع الطين أو الصابون.
النول
الخطوة التالية تكون بغزْل الشَعر أو الصوف باستخدام المغزَل. ويُغزل الصوف على النول، وهو آلة الحياكة المصنوعة من شجر النخيل أو خشب العناب. وعند جهوزيّته يُصبغ بألوان زاهية مستخلصة من النباتات والتوابل المتوفّرة في البيئة المحلية، مثل الحناء، الكركم، الزعفران، الصبّار والنيلة. ويتميّز السدو التقليدي بألوانه المختلفة التي تتنوّع بين الأسود والأبيض والبني والبيج.
نقوش وزخارف
تأثّرت نقوش السدو وزخارفه على مر العصور بالمواد المستخدمة في الصحراء، وتميّزت بأشكال هندسية تُظهر الأراضي العشبيّة المنبسطة والكثبان الرملية وأشجار النخيل والأزهار والصقور.
اليونسكو
أُدرجت حرفة السدو في «اليونسكو» عام 2011 ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، والذي يحتاج إلى صون عاجل.
بيوت الشَعر
استُخدم السدو في صناعة «بيوت الشَعر» وفي تزيينها من الداخل، وهي الخيام البدوية التقليدية التي تُحاك من شَعر الماعز وتتميَّز بلونها الأسود.
ظاهر وخفي
بعد عميلتي الجزّ والتنظيف، يُفتل خيط الصوف ويُلف على مغزل يدوي، ثم يُصبغ ويُنسج بواسطة منوَل أرضي لإنتاج نسيج بسيط ظاهر السدى وخفي اللحمة.
عين الغدير
تتمثّل زخارف السدو في نقوش مستوحاة من الطبيعة والأشجار، أشهرها «عين الغدير» و«عويريان»، وتصاميم مُزيّنة بالجلد والحبوب وأسنان الخيل.
وسيلة مبتكَرة
كان السدو قديماً وسيلة مبتكَرة لتلبية الاحتياجات الأساسية للناس في الصحراء، وأصبح اليوم رمزاً مهماً لإبداعات المجتمع الإماراتي وقدرته على التكيُّف مع متغيّرات الحياة.