ليندا كيليان*

كان الرئيس توماس جيفرسون أحد أوائل الأميركيين الذين كتبوا مذكرات سياسية، وكتب مذكراته لكي يسوي ديونه وباع عشرات آلاف النسخ منها، وحصد كتابه «مذكرات شخصية» الذي كتبه قبيل وفاته بسرطان الحنجرة ما يعادل 12 مليون دولار بأسعار اليوم. ومنذ وقتها ازدهرت كتب المذكرات السياسية بقوة. وفي السنوات الخمسين الماضية، كتب أكثر من 100 سناتور مذكراته، ومن أكثرهم شهرة مارجريت تشيس سميث، وباري جولدووتر، وبيل برادلي، وجاري هارت، وجون مكين، وآلان سيمسون، وبول تسونجاس، ولويل ويكر، وبول ويلستون.
يستخدم البعض مذكراته السياسية لتصفية حسابات، وآخرون يكتبونها لتعزيز مواقفهم، وأكثرها نجاحاً التي تثير جدلاً سياسياً كبيراً أو تكشف الستار عن معلومات وحقائق لم تكن معروفة من قبل عن الكاتب والأحداث التي شهدها. 
وكتاب «قلب النار» يرصد رحلة السناتورة «الديمقراطية» ميزي هيرونو من مهاجرة فقيرة إلى عضو مجلس شيوخ أميركية. والكتاب حيوي ومفعم بالمشاعر حين تكتب هيرونو عن طفولتها ووالدتها وأسرتها ووصولها إلى هاواي قادمةً من اليابان، وما واجهوه من فقر وصعوبات وخوف. 
أما الأجزاء التي تتناول صعود هيرونو السياسي في هاواي والفترة التي قضتها في الكونجرس، فتبدو فيها أكثر تحفظاً وأقل حيويةً. لذا لا مفاجأة في أن تستخدم هيرونو لغةً حادةً وشديدة اللهجة في كتابها ضد دونالد ترامب و«الجمهوريين»، إذ دأبت على المجاهرة بانتقاداتها لهم في المقابلات الصحفية. وتذكر هيرونو بعض الحلفاء السياسيين وآخرين تعتقد أنهم خيّبوا أملها أو خذلوها على طول الطريق. لكن باعتبارها سناتوراً «ديمقراطياً»، تعطي شعوراً بشكل واضح بأنها متحفّظة في إبداء انتقادات مهمة أو كشف معلومات عن حزبها وقيادته. 

مشوارَ سياسي
من المؤكد أن هيرونو البالغة من العمر 73 عاماً عاشت حياةً تستحق كتابة مذكرات، إنها أول آسيوية أميركية وبوذية في مجلس الشيوخ الأميركي، وهي المهاجرة الوحيدة في مجلس الشيوخ حالياً، وبدأت مشوارَها السياسي قبل 40 عاماً لدى فوزها بمقعد نائب في المجلس التشريعي لولاية هاواي، ثم أصبحت مساعداً لحاكم الولاية، فعضواً في مجلس النواب الأميركي، ثم عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي منذ عام 2013.
وتصف هيرونو والدَها بأنه كان سكيراً سيئ الطباع، لا يستطيع الإقلاع عن القمار، وفرّت والدتها من اليابان حين كانت هيرونو في التاسعة من عمرها، وجاءت الأم بأطفالها إلى هاواي واشتغلت بأعمال يدوية مقابل أجور منخفضة لإعالة أسرتها. وتكتب هيرونو أن طفولتَها غير المستقرة أثّرت بشدة على قرارها دخول الحياة السياسية. وكتبت تقول إن هذا «ساعد في إذكاء قراري لدراسة القانون ووضع نفسي في غرف يمكنني فيها الدفاع عن الذين هم في وضع هش مثل الذي كانت فيه أسرتي ذات يوم». 

ارتباط أسري 
والارتباط الأسري الشديد بين هيرونو ووالدتها، لورا شايكو، واضح على امتداد الكتاب الذي خصصته للمرأة التي «تحدت كل شيء وكانت بوصلتها أصدق مرشد». وتقول هيرونو، إن حب أمها ودعمها الدائم لها كان السبب الأول في تمكينها من تحقيق إنجازاتها. لقد علّمتْها «أننا يجب ألا نخاف الصعاب لأن الكفاح يبني الشخصية». وكتبت تقول، إن والدتَها «عاشت حياة كما لو أنْ ليس هناك شيء مستحيل حقاً، وعزيمتها- قلب النار الذي حملته بداخلها- ضرب لنا مثلاً قوياً وملهماً. لقد عملت بلا نصب كي تجعل من الممكن لي أن أصبح امرأة بأحلام كبيرة». ومن الواضح أن هيرونو، مثل والدتها، امرأة جادة في العمل، وتأخذ نفسها بالشدة ولا تحابيها. وهذا أوضح ما يكون في وصفها لمعركتها عام 2017 مع سرطان الكلى في المرحلة الرابعة، والذي كان يتطلب إزالة إحدى الكليتين وجزء من أحد الضلوع.

زعيم الأغلبية
كانت هيرونو قلقة من أن يدعو زعيم الأغلبية «الجمهورية» في مجلس الشيوخ في ذلك الوقت، ميتش مكونيل، إلى التصويت على إلغاء قانون الرعاية الصحية الميسورة أثناء فترة التعافي من المرض. وكتبت تقول، إنها كانت مستعدة تماماً لأن تنتقل على كرسي متحرك من المستشفى إلى مجلس الشيوخ لتدلي بصوتها. ولم يتطلب الأمر كل هذا، لكن هيرونو عادت إلى مكتبها في مقر الكونجرس بعد أسبوعين من الجراحة.

«التحفظ المتمدين»
كانت هيرونو تحاول التمسك بـ «التحفظ المتمدين» المتوقَّع من امرأة في الوسط السياسي وشخص له مثل خلفياتها الحضارية. لكن انتخابات عام 2016، أطلقت عنانها وحفّزتها على الانتقادات العلنية ضد ترامب وتعييناته السياسية، ومعها زملاؤها في مجلس الشيوخ. ولا تتحفظ هيرونو في الكتاب حين يتعلق الأمر بترامب والجمهوريين في الكونجرس. وكتبت تقول: «لا نهاية للقسوة والكذب القهري والتلاعب الصريح الذي يرتكبه ترامب وأنصاره. لقد دخلت أمتُنا منطقةَ الغسق وهي منطقة مليئة بالزومبي الجمهوريين الخانعين المتملقين في جبن، ممن تخلوا عن مسؤوليتهم تجاه الشعب الأميركي، برفضهم إخضاع رئيس محتال للمساءلة عن انتهاكاته».

«قلب النار»
إن «قلب النار» يجمع بطريقة ما كتابين. ففي جانب، هناك الوصف المتدفق والحيوي لنشأة هيرونو في هاواي كمهاجرة فقيرة، وهناك قصة حياتها السياسية المليئة بالتفاصيل، لكنها الأقل حيوية وصدقاً، قياساً إلى الجانب الأول. والجمع بين الجانبين هو النار التي ورثتها هيرونو عن والدتها واستخدمتها لمعارضة ترامب والجمهوريين في الكونجرس

*صحفية وكاتبة مهتمة بالتاريخ السياسي الأميركي