أحمد مراد (القاهرة)

قبل أيام قليلة من الآن، أثار انفصال أحد أكبر الجبال الجليدية في العالم، والمعروف بـ «إيه ـ 76» ردود فعل واسعة النطاق في مختلف الأوساط البيئية والعلمية لما لهذه الظاهرة من تأثيرات كبيرة وخطيرة على الحياة البرية والبحرية على حد سواء.. فكيف تتكون الجبال الجليدية؟ وكيف تنفصل، وماذا عن التأثيرات المترتبة على انفصالها وذوبانها؟

جبال وهضاب
يتكون الجبل الجليدي من كتلة جليد ضخمة أو ربما تكون قطعة جليد صغيرة نتجت عن قطعة جليدية أخرى، وتتكون الجبال الجليدية نتيجة تجمد مياه الأنهار العذبة، حيث كانت في السابق جزءاً من نهر متجمد، ثم انفصلت عنه، وتساهم المياه في تحرك هذه الجبال الجليدية لمسافات طويلة، وتظهر في الكثير من المواقع، سواء في المحيط المتجمد الشمالي، أوالمحيط الأطلسي، أوالمحيط الهادئ، وعادة ما تحمل معها أحجار ضخمة وكميات من الحصى تجلبها من المنشأ على اليابسة، وفي حالة ذوبان الجليد تستقر ما تحمله الجبال الجليدية في قاع البحر، ومن ثم تمثل هذه الظاهرة واحداً من أكبر الأخطار الطبيعية التي تهدد حركة السفن، وبالتالي تؤدي إلى إرباك حركة الملاحة البحرية.

وتتخذ الجبال الجليدية أشكال متعددة ومختلفة، فقد تكون على هيئة جبال عملاقة، أو كتل جليدية مسطحة مع جوانب شديدة الانحدار، وفي هذه الحالة تسمى «الهضاب الجليدية»، وقد تكون غير مسطحة على هيئة قباب أو أشكال ذي قمم مستدبة.
وفي الغالب تحمل الجبال الجليدية أسماء تتكون من حروف وأرقام، وترتبط الحروف بالجزء الذي رُصدت فيه الجبال الجليدية في القارة القطبية الجنوبية «أنتركتيكا».

قطع وتلال
هناك نوعان من الكتل الجليدية الأصغر حجماً من الجبل الجليدي، الأول يعرف بـ «القطع الجليدية»، والثاني يعرف بـ «التلال الجليدية»، ويتشكلان من نهر متجمد أو جرف جليدي، وقد يتكونان نتيجة تحطم جبل جليدي ضخم. ويتراوح حجم القطعة الجليدية بين المتوسط والكبير، وارتفاعها أكبر من ثلاثة أقدام وأقل من 16 قدماً فوق مستوى سطح البحر، وتتراوح مساحتها بين 1076-3229 قدماً مربعاً.  أما التل الجليدي، فيكون في نفس حجم الشاحنة، وارتفاعه أقل من ثلاثة أقدام فوق مستوى سطح البحر، وتقدر مساحته بحوالي 215 قدماً مربعاً.

الاحترار.. سبب الانفصال
يرجع العلماء والباحثون ظاهرة انفصال الجبال الجليدية إلى سبب رئيسي يتمثل فيما يُعرف بـ «احترار» الهواء والمحيطات الذي ساهم في تسريع هذه الظاهرة، حيث إن المحيط حول القارة القطبية الجنوبية «أنتركتيكا» يشهد ارتفاعاً في الحرارة بسبب «احترار المناخ». كما أن حرارة الأرض ارتفعت بأكثر من درجة مئوية مقارنة مع ما قبل الثورة الصناعية، وذلك بسبب زيادة انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن الأنشطة البشرية. ويشير العلماء أيضاً إلى أن قارة «أنتركتيكا» تسجل احتراراً أسرع بمرتين.

5 ألوان
تختلف ألوان الجبال الجليدية من جبل إلى آخر، فهناك 5 ألوان تظهر بها الجبال الجليدية، وهي: الجليد الأبيض، والجليد الأسود، والجليد الأزرق، والجليد الداكن، والصفائح الجليدية المتكونة من الماء المالح.

بي 15.. أكبر من قبرص
في عام 2000، اكتشف العلماء أحد أكبر الجبال الجليدية في العالم، ويعرف باسم «بي 15»، وهو يقع في القارة القطبية الجنوبية، ويبلغ طوله حوالي 295 كيلومتراً، وعرضه 37 كيلومتراً، وتقدر مساحته تقدر بنحو 11 ألف كيلومتر مربع، الأمر الذي يجعله أكبر من دولة قبرص من حيث المساحة.

إيه 68.. يعادل 4 مرات حجم لندن
في يوليو من عام 2017، انفصل الجبل الجليدي المعروف باسم «إي 68» عن القطب الجنوبي المتجمد، وبدأ يتجه نجو الشمال، وفي أوائل عام 2020 كشفت تقارير بيئية عن أن الجبل على وشك الدخول إلى المحيط. وكانت مساحة الجبل «إي 68» حين انفصل عن الجرف الجليدي «سي» تقارب 5800 كيلومتر مربع، وسماكة 350 متراً، ويقدر العلماء حجم هذا الجبل بمساحة ولاية «ديلاوير» في الولايات المتحدة، أو يعادل أربع مرات حجم مدينة لندن، ويصل وزنه إلى تريليون طن، وبعد رحلة استمرت ثلاث سنوات تفكك الجبل نهائياً في أبريل 2021، وانقسم إلى كتل أصغر، وقد ذاب ولم يبق منه شيء في المحيط الأطلسي. وكان قبل تفككه قد اقترب بصورة خطرة من جزيرة نائية في جنوب الأطلسي.

إيه ـ 67.. طوله 170 كيلو متراً
قبل أيام قليلة، انفصل أحد أكبر الجبال الجليدية في العالم، والمعروف باسم «إيه ـ 76» عن جرف «رون» الجليدي في القارة القطبية الجنوبية، ويعادل حجمه نصف جزيرة كورسيكا، حيث يبلغ طوله حوالي 170 كيلومتراً، ويبلغ عرضه 25 كيلومتراً، وتقدر مساحته الإجمالية بنحو 4320 كيلومتراً مربعاً، وقد رجح العلماء أن تكون أسباب هذه الظاهرة طبيعية.

وأثبتت صور التقطها القمر الاصطناعي «سنتينل-1» التابع لبرنامج «كوبرنيكوس» الأوروبي لمراقبة الأرض، حدوث الانفصال، وسوف يجاور الكتلة الجليدية التي تحمل اسم «أيه-23»، والتي انفصلت في عام 1986.

D28.. السنة السائبة
منذ أكثر من 50 عاماً، أنتج الجرف الجليدي المعروف باسم «آميري» في قارة أنتاركتيكا أكبر جبل جليدي، وقد بدأ هذا الجبل في الانفصال عن الجرف الجليدي الذي يعد ثالث أكبر جرف جليدي في القارة القطبية الجنوبية، وهو قناة تصريف رئيسة في شرق القارة.
ويحمل الجبل اسم D28، وتبلغ مساحته حوالي 1636 كيلومتراً مربعاً، وهو أصغر بقليل من جزيرة إسكاي في اسكتلندا، ويصل وزنه 315 مليار طن من الجليد، ويبلغ سمكه حوالي 210 أمتار. وأطلق العلماء على هذا الجبل لقب «لوس توث» أو «السنة السائبة»، حيث إنه يظهر من الفضاء مثل أسنان الأطفال الصغيرة السائبة التي أوشكت على السقوط.
ومن المتوقع أن تحمل التيارات الساحلية والرياح الجبل غرباً، وقد يستغرق الأمر سنوات عدة حتى ينفصل ويذوب تماماً.

جحيم الذوبان
يوضح العلماء أن أعلى الجبل الجليدي يذوب تحت تأثير ارتفاع متواصل في حرارة الجو منذ عقود، أما أسفله فيذوب بسبب التيارات البحرية الدافئة، مؤكدين أن التغير المناخي يذيب الجبال الجليدية بوتيرة متصاعدة في منطقة القطب الشمالي الأشد برداً.
كما يشدد العلماء على خطورة ذوبان الجبال الجليدية الكبرى التي تؤدي إلى انهيار لمناخ القطب الجنوبي. كما أن ذوبان الجبال الجليدية يوثر على حياة الكائنات الحية في المحيطات، فعندما تذوب الجبال الجليدية، تتسرب العناصر الغذائية إلى المحيط، وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن المياه المحيطة بالجبال الجليدية تعج بالعوالق والأسماك والأحياء البحرية.