محمد وقيف (أبوظبي)
في عام 2014، مثّلت شركة Amazon.com لغزاً حيّر الكثير من المراقبين. فمع أنها كانت علامة تجارية معروفة، إلا أن «أمازون» اشتهرت بعجزها الطويل عن تحويل الإيرادات إلى أرباح. كانت حينها وسط سنة من دون أرباح، وكان سعر سهمها في تراجع متواصل. لكن على مدى السنوات الست التالية، ارتفعت قيمة الشركة في البورصة من 141 مليار دولار إلى 1.6 تريليون دولار، ما حوّل «أمازون» إلى رابع أكبر شركة في العالم.
كيف حدث ذلك؟ إنه موضوع كتاب «براد سْتون» الجديد «أمازون من دون قيود.. جيف بيزوس واختراع إمبراطورية عالمية». براد ستون، وهو صحفي في خدمة «بلومبرج نيوز» الإخبارية، ليس غريباً عن «أمازون»، فكتابه الصادر في 2013 بعنوان «متجر كل شيء» بحث في الكيفية التي بنى بها بيزوس، الذي أسس الشركة في 1994، مكتبته الناشئة وحوّلها إلى قوة مهيمنة في قطاع البيع بالتجزئة عبر «الإنترنت» في الولايات المتحدة. وبالمقابل، يلعب البيع بالتجزئة اليوم دوراً يكاد يكون عرضياً في كتاب «أمازون من دون قيود»، إذ يولي الأهمية المركزية لنشاط غير مرئي كثيراً، ألا وهو الحوسبة السحابية التي تخلق العائدات التي تغذّي توسع «أمازون» القوي. فمع الحوسبة السحابية، تستطيع مؤسسة استئجار حواسيب ومبرمِجين وخبراء أمنيين من مزوِّدين خارجيين، مثل «أمازون» بدلاً من الإبقاء على مراكز بيانات خاصة بها. وقد كانت «أمازون» رائدة في الحوسبة السحابية في أوائل الألفية الثالثة، وبحلول العقد الثاني من هذا القرن، كانت زعيمة السوق.
رأى بيزوس أن إيجاد استخدامات جديدة لبنية الحوسبة السحابية التحتية المتنامية لـ«أمازون» هو مفتاح مستقبل الشركة. فبعث في عام 2011 رسالةً عبر البريد الإلكتروني إلى عددٍ من المديرين يقول لهم فيها: «ينبغي أن نصنع جهازاً ثمنه 20 دولاراً، يكون دماغه في السحاب ويكون خاضعاً بشكل كامل لصوتك».
وسَعَت «أمازون» لتحقيق فكرة بيزوس في سرية تامة، فاستحوذت على ثلاث شركات صغيرة متخصصة في جعل الأصوات البشرية مفهومة للحواسيب، ما جعل الناس خارج الشركة يظنون أنها تصمّم هواتف محمولة. وطلبت من المديرين اختبار الأجهزة التجريبية في البيت، ما كشف عن قدرات جد سيئة في التعرف على الصوت لدرجة أن بيزوس سُمع وهو يقول للصوت الاصطناعي لحواسيبه، المعروف بـ«أليكسا»: «اطلق النار على رأسك». وفي نهاية المطاف، وظّفت «أمازون» آلاف العمال المؤقتين، ووضعتهم في غرف مزودة بميكروفونات مخفية، وطلبت منهم التحدث لتدريب ذكاء «أليكسا» الاصطناعي على الرد بشكل صحيح على الأوامر الشفهية. وحينما طُرح «إيكو» أخيراً للبيع في نوفمبر 2014، وهو عبارة عن مكبر صوت/ ميكروفون صغير مصمم لربط المستخدمين بـ«أليكسا»، كانت «أمازون» غير واثقة من فرص نجاحها لدرجة أنها طلبت صنع 80 ألف وحدة فقط. لكن بيزوس كان يتمتع بنفاذ البصيرة. فمع ظهور منتجات جديدة يستطيع الزبائن التعامل معها عبر استدعاء «أليكسا»، تجاوزت مبيعات «إيكو» 100 مليون عام بحلول 2019. وفي 23 أبريل 2015، أي بعد خمسة أشهر على طرح «أليكسا» للبيع، حقّقت «أمازون» مفاجأة أخرى، إذ كشفت لأول مرة عن النتائج المالية لقسم الحوسبة السحابية في الشركة، فذهلت الأسواق. وبحلول وقت إغلاق البورصات في اليوم التالي، كانت أسهم «أمازون» تباع بـ41 في المئة أعلى من المستوى الذي كانت عنده قبل ستة أشهر على ذلك.
بيد أن ليس كل رهانات «أمازون» كانت رابحةً، رغم أن التفاصيل المالية لا يعرفها إلا مَن هم من داخل الشركة. وعلى سبيل المثال، فإن «أمازون برايم فيديو» ابتلعت مليارات الدولارات من الاستثمارات في برامج مشاهدة الأفلام على «الإنترنت» إلى منازل الزبائن، ومشاريع «أمازون» في الصين والهند شكّلت إخفاقات باهظة الثمن.
ثم يصف ستون أسلوب بيزوس الحازم في الإدارة، فيأخذنا إلى داخل اجتماع في عام 2017 قال فيه بيزوس إن عمليات البيع بالتجزئة لـ«أمازون» في أميركا الشمالية أقل ربحية بكثير مما يدّعيه مديروها. وبعد أن طرح سلسلة من الأسئلة، أظهر أن ارتفاع عائدات الإعلانات، الذي كانت تحتسبه وحدة البيع بالتجزئة، كان يحجب ضعف ربحية مبيعات السلع ويغطي عليه. فتُركت خطط نمو الوحدة، وقيل لمديريها أن يركزوا على استعادة هوامش الربح.
تدقيق أقوى
نمو «أمازون» السريع وانتشارها الضخم وضعاها تحت تدقيق عام أقوى. ويقول ستون في هذا الصدد، إن بيزوس وكبار مديريه وأعضاء مجلس الإدارة قرؤوا في 2019 كتاب «شركة إيه آند بي العظيمة والصراع على الشركة الصغيرة في أميركا» لفهم كيف تعامل عملاق البيع بالتجزئة مع انتقادات الجمهور لحجمه وممارساته التجارية في زمن سابق. والحال أن قصة «أمازون» تختلف اختلافاً مهماً عن قصة «إيه آند بي»، وخاصةً في الطريقة التي تجعل بها سيطرتُها على البيانات تجارتَها منيعةً ومحصَّنةً ضد الهجمات. وستون ليس متفائلاً بشأن احتمالات كبحها، إذ يقول في ختام كتابه: «بغض النظر عن رأيك في الرجل وشركته التي تسيطر على الكثير من واقعنا الاقتصادي في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، فليس هناك مجال للتراجع الآن».