شعبان بلال (القاهرة) 

على مساحة 135 ألف متر مربع يمتد ثاني أكبر وأضخم قصور أوروبا في العاصمة الإسبانية مدريد، حيث تلتقي ثقافة الشرق بالغرب، يعرفه الجميع بسبب حجارته ناصعة البيضاء التي تخطف الأنظار والقلوب، وأسلوب بنائه الفريد الذي يصفه المؤرخون بالتحفة الفنية ذات الجمال الملكي.
بني قصر مدريد أو قصر الشرق بأمر من الملك فيليب الخامس، في القرن الثامن عشر الميلادي، وذلك بين عامي 1738 و1755، واستغرق بناؤه كل هذه السنوات بسبب الأعمال الفنية التي استغرقت الكثير من العمل والسنوات، وأول من سكن به رسمياً هو الملك كارلوس الثالث بعد الانتهاء من كل الأعمال النهائية، وكان ذلك عام 1764.

صُنف القصر كواحد من بين أضخم القصور في أوروبا الغربية، فجاء في المركز الثاني خلف متحف اللوفر، حيث يضم 2800 غرفة، وما يميز هذا القصر هي الطوابق التي بنيت تحت الأرض، فكل طابق رئيس من طوابق القصر الثلاثة بني تحته ثلاثة طوابق تحت الأرض.
وصمم المعماريون قصر مدريد بثلاثة مستويات، الأول مستوى حجري مع نتوءات حجرية ومستويين للنوافذ، وجميعها بنيت من الحجارة البيضاء من كولمينار، والجرانيت والرخام، وامتدت واجهة القصر بطول 130 متراً وعرض 33 متراً. لا يتميز القصر بعدد غرفه الهائل فقط، وإنما بنوافذه التي تخطى عددها 870 نافذة، و240 شرفة، فضلاً عن 40 قاعة رئيسة لاستقبال الزائرين من أهم رجال الدولة في القرن الثامن عشر، حينما كانت الحياة تدب في كل أرجاء القصر. أما الآن، فيمكن للزائرين الاستمتاع بكل هذه المواصفات الملكية للقصر، وصعود 44 درج سلم للوصول إلى كل غرف القصر، ولمزيد من الفخامة والرقي زين الكورنيش الخارجي له بمجموعة من تماثيل القوط الغربيون، ولكنها كانت ثقيلة جداً، فخاف المصممون من أن تتسبب في سقوط الكورنيش فنقلوها إلى مكان آخر أكثر أماناً.

العهد الحالي
كان قصر مدريد هو مقر حكام إسبانيا من الملوك المتتابعين، ولكن تغير الحال الآن، وانتقل الملك خوان كارلوس الأول وزوجته الملكة صوفيا، وكذلك ابنهما الأمير فيليبي إلى قصر زارزويلا، ليقتصر عمل القصر على إقامة الحفلات الرسمية، فيبقى خالياً من الملك والأمراء والأميرات حتى يحين موعد أي حفل رسمي.
وخلال بقية العام يمكن لأي شخص من مواطني وزائري إسبانيا الدخول إلى القصر والتجول في كل مكان يريده، حيث تم افتتاحه كمزار سياحي، ويحرص راغبو الهدوء على زيارته للبقاء في أحضان الطبيعة المحيطة به لفترة من الزمن كافية للعودة بهم إلى الماضي، واستنشاق الهواء النقي.

يعيش الزائر تجربه الحياة في القصر كاملة، فالأثاث ما زال كما هو لم تتغير أي قطعة منه منذ القرن الثامن عشر، ويم الاعتناء بكل محتويات القصر وترميمها طيلة الوقت حتى تظل محتفظة برونقها، حتى اللوحات الفنية التي وضعت بالقصر بعد بنائه، ما زالت كما هي تزين جدران القصر ويستمتع بها الزائرون.
لا يقع القصر منفرداً في شرق العاصمة الإسبانية، وإنما تحيط به مجموعة من المزارات السياحية المهمة، وأهمها كنيسة المودينا أبرز ملامح الحكم الروماني في إسبانيا، وكذلك المتحف الحربي الذي يحتوي على مجموعة من أشهر الأسلحة التي استخدمتها إسبانيا في كل الحروب التي خاضتها في التاريخ القديم والحديث، ويُعرف هذا المتحف باسم ديل برادي.

عالم آخر من الجمال
يضم القصر مجموعة من تماثيل المشاهير موزعة بين حديقة القصر الشاسعة، وأهمها تماثيل دييغو فيلاثكيث، فرانثيسكو غويا، بيتر بول روبنس، رافائيل مينغس، كارافيجو، باتيستا تيبولو، ومجموعة لأنطونيو ستراديفاري، وكذلك مجموعات من السجاد والبورسلين.

عالم آخر من الجمال يعيش فيه زائر القصر عندما يتجوّل في الحديقة، حيث تمتد مساحاتها الخضراء على مسافة واسعة جداً كأغلب القصور الأوروبية، وأكثر ما يميز هذه الحدائق هي نوافير المياه، وتماثيل الحكام الإسبان الموزعة داخل الحديقة.
وبالقرب من حدائق القصر الواسعة توجد مجموعة أخرى من الحدائق الشهيرة مثل حديقة كامبو ديل مورو، وحدائق وحدائق ساباتيني، التي يحرص الزوار على التجول بها والتقاط الصور التذكارية بعد الانتهاء من التجوّل في حديقة القصر الرائعة.