شاكر نوري (دبي)

تيوفيل غوتييه  شاعر وروائي وناقد فرنسي، ولد عام 1811، ورحل عام 1872، درس الأدب الفرنسي القديم ولا سيما أدب القرنين السادس عشر والسابع عشر، مما أهله لكتابة مجموعة من المقالات عن كُتّاب تلك الحقبة.
من أهم أعماله الأدبية مجموعاته الشعرية «ملهاة الموت» و«مزججات وأحجار منقوشة»، ومن أشهر رواياته «الآنسة موبان» و«رواية المومياء»، ولديه العديد من قصص الفانتزيا.
ويُعد كتابه «رحلة إلى الجزائر» الأهم في أدب الرحلات؛ لأنه يوثق السنوات الأولى من الاحتلال الفرنسي للجزائر التي وصلها في 1845، ونشر مذكراته عنها في 1865.

  • صورة للحياة في الجزائر كما وردت في مذكرات تيوفيل (الصور من المصدر)

تأخّر غوتييه في نشر رحلته إلى الجزائر، ونشر قبلها تفاصيل رحلاته الأخرى إلى كلّ من إيطاليا وإسبانيا وروسيا والقسطنطينية حال عودته إلى بلاده. وقدم مقارنة بين شوارع الجزائر وشوارع باريس، ومشاهد مرسومة في لوحات غويا ورامبرانت ودولاكروا، فكانت رحلته فنية ومصورة بعد خمسة عشر عاماً من احتلال فرنسا لها، هكذا أحب شمال أفريقيا وسار على خطى الرسامين في عدد من المدن: الجزائر، وهران، قسطنطينة، منطقة القبائل، حيث ملّ من الحضارة الغربية رغم تطورها. وأثناء رحلته كان عليه أن يتعامل مع عالم «جديد»، كما يقول ذلك بنفسه، حيث سيسعى لتغيير المشهد على أبواب فرنسا من خلال هذه الرحلة التي استمرت حوالي شهرين، وأطلق عليها الرحلة الخلابة في الجزائر وخاصة زيارته لمنطقة القبائل.
في عام 1845، ذهب تيوفيل غوتييه إلى الجزائر التي أطلق عليها «أفريقيا الفرنسية»، وبعد مرور سبعة أعوام نشر جزءاً من هذه الرحلة في مجلة «ريفيو باريس» قال فيه: عندما وصلنا إلى الجزائر كانت الساعة حوالي الخامسة، كانت ساحة الحكومة تعج بالناس.. إنها نقطة التقاء المدينة بأكملها، مكان انعقاد جميع الاجتماعات، تأكد دائماً من مقابلة الشخص الذي تبحث عنه، إنه مثل منزل للإيطاليين أو دار أوبرا في الهواء الطلق.

  • فن الرحلة عند غوتييه

وأضاف في مذكراته:  هناك أناس من جميع البلدان، جنود، مستعمرون، بحارة، تجار، مغامرون، رجال أعمال من فرنسا، وإسبانيا، ومالطا، وإيطاليا واليونان، وألمانيا، وإنجلترا، والعرب، والقبائل، مزيج لا يصدق من الزي الرسمي، والملابس، والحرير، والمعاطف، وأغطية الرؤوس..صخب وضجيج! حشد متنوع من الأعراق.. نسمعُ خليطاً من اللغات والمصطلحات، حتى يتخيل المرء نفسه في برج بابل.. فهذا التنوع الهائل: اللهجة زقزقة الفرنسيين، غناء الإيطاليين، صافرة البريطانيين، صرخة المالطيين، تأوهات الإسبان والعرب.

 

لوحات
يصور غوتييه تفاصيل الحياة في الجزائر من إفريقيات تجلسن القرفصاء في زوايا الشوارع، أمسكن ركبهن أو بالقرب منهن أكوام من الفطائر الساخنة.. وهكذا يتحدث الراوي والرحالة عن التجمعات المختلفة في الجزائر وهو يرسم لوحات عن السوق والمحال التجارية، والمقهى الشرقي، والرقص الشرقي، واليهود بالزي القديم، كما لو أنه يقدم جرداً لجميع ولكل ما يراه. كان غوتييه يرى في هذا البلد غرائبية خاصة، مع الاستمتاع باللون المحلي الغريب عليه وكان يستيقظ في الصباح الباكر لكي يجول في الشوارع، فكان يردد: ليس هناك ما هو أكثر بهجة وتنوعاً وحيوية من المشاهد اليومية التي نراها في الجزائر وخاصة شرفات البيوت الملونة. وحسب ما ورد في مذكراته: الجمل هو أغرب حيوان يمكنك تخيله. وما لفت نظره النافورات ذات الأعمدة الرخامية البيضاء..فقد كانت رحلة سرد متدفق من الأفكار والمشاهد وما تثيره في نفسه من مشاعر وانفعالات.

وصف
وفي الوقت نفسه يشرح الرحالة والكاتب الفرنسي أبعاد الهندسة المعمارية التي تتميز بها الجزائر العاصمة، وتبدو رائعة في الليل.. وتصبح الكتابة أيقونية من جمال بلاغتها في الوصف، وهو التقليد الذي سار عليه غوتييه في أعماله الأدبية، حيث يجذب القارئ إلى جغرافية المكان، وحكايته تحمل بصمات الكاتب.. وكان يدعو القراء إلى تصديق كل ما يقوله: إنها رحلة داخلية متداخلة في أعماق المدينة، مستعيناً بالأساطير والنصوص القديمة وأغاني الأطفال، وذلك من أجل الاقتراب من القارئ.
وفي الكتاب استعارة من اللغة الشعبية أو اقتباسات من الكلمات الأجنبية، مما منح نص رحلته أصواتاً متعددة، أو مراجع تصويرية، أو إشارات وأسماء بعض الرسامين المعروفين أمثال رامبرنت وديلاكروا ورفائيل وآخرين. إضافة إلى المقارنة بين الواقع والفن.. فاكتشافات غوتييه أدركت المثل الأعلى للجمال الذي يهدف إليه الفن الغربي.

دلالات الألوان
من خلال القصص والحكايات، يظهر رصد عين الرسام في ابداعات غوتييه، ويتجلى اهتمامه بالألوان، فقد قال في وصف إحدى المناطق، تبدو من بعيد كبقعة بيضاء مقطوعة تبدأ في الظهور على خلفية داكنة من منحدرات التلال، متلألئة هنا وهناك مع شرارات فضية، وقال في مذكراته: لا شيء أجمل وأبهج من حركة المراكب الخفيفة عند مدخل الميناء.. هذا هو تدفق شرارات بيضاء ساحرة ذهاباً وإياباً، يبدو أن ريش البجعة يتطاير بفعل النسيم.
وأضاف: كنا نسير كالحلم، لا نعرف ما إذا كنا مستيقظين أم نائمين.. بعد أن رأيت وهجاً ساطعاً نوعاً ما خرج من باب منخفض يفتح فمه الأحمر في الظلام، سألنا ما هو - قيل لنا إنها القهوة! كنا نتوقف أمام الجمال الأخاذ. هكذا يقول غوتييه منبهراً بالشرق.. إنه يحيك القصص من عالم الخيال وعالم الواقع، اللذين يختلطان مع بعضهما.
 وانتهى الكاتب الرحالة في مذكراته إلى وصف التوابل التي يستخدمها الجزائريون، بين الفلفل والقرفة وغيرهما، التي تنتمي إلى ثقافة البحر الأبيض المتوسط.

مراجع:
1- «رحلة إلى الجزائر» تيوفيل غوتييه، ترجمها عن الفرنسية الكاتب محمّد بنعبود، دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي 2019.
2- Approche stylistique de Voyage en Algérie de Th. Gautier
HYPERLINK «https://exode1962.fr/exode1962/en-savoir-plus/gauthier.html»
3- Voyage en Algérie de Theophile GAUTIER - Exode 1962
HYPERLINK «https://fr.wikipedia.org/wiki/Th%C3%A9ophile_Gautier»
- 4Théophile Gautier - Wikipédia