وليام بيلجريف: الإماراتيون يتحلون بالتكافل والتسامح

شاكر نوري (دبي)

يُعدّ وليام جيفور بيلجريف 1826-1888 من أشهر الرحالة الذين زاروا جزيرة العرب، درس في جامعة أكسفورد الشهيرة، والتحق، بعد تخرجه، بالجيش البريطاني في الهند عام 1847، ألقى العديد من المحاضرات حول بعثاته في الشرق، وزار فرنسا والتقى الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث.  وصل منطقة الحجاز في 1865 وألّف كتابه الموسوم بـ(قصة رحلة عام عبر وسط الجزيرة العربية وشرقها) في مجلدين يحويان الكثير من المعارف، وكان متحمسًا لزيارة بقية العالم العربي، وهو يؤرخ لمجتمع الجزيرة العربية في تلك المرحلة، وأصبحت كتاباته مصدراً للدارسين والباحثين، وقد تجلت في كتاباته روح أدبية رفيعة وفكر مستنير.
تعلم صاحب كتاب «رواية شخصية لرحلة عام عبر وسط وشرق شبه الجزيرة العربية 1862-1863» اللغة العربية في رحلة إلى لبنان حيث عاش فيها فترة من الزمن، وهناك تعمق في اللغة العربية وآدابها لدرجة أصبحت وكأنها لغته الأم، فكان يكتب بها، ويتحدث ويلقي الخطب الدعوية بطريقة تدهش العرب أنفسهم في سهول حوران بسوريا، وجبال لبنان، وقد توفرت له فرصة فريدة من نوعها وهي اللقاء بنابليون الثالث، ومن التراث الذي تركه بيلجريف هو ما استقاه من القرآن الكريم وكتبه بخط يده، في وثيقة غير مؤرخة وجزء من رسائله.

مشاهداته اليومية
وصل إلى الشارقة في 16 فبراير 1863 في رحلة شملت مناطق أخرى في الخليج، ونشر تفاصيل زيارته للشارقة ضمن رحلته الطويلة خلال عامي 1862 و1863 في كتابه، وأجاد في وصف الإمارات في القرن التاسع عشر. 
ويتناول في جزء من كتابه منطقة الخليج ومشاهداته اليومية، ووصف الإمارات، وتضمن وصفه لرحلته كثيراً من تفاصيل الحياة الاجتماعية، وكتب عن الشارقة كمركز تجاري، وعن دبي التي تكثر فيها البساتين، وانتقل بعد ذلك إلى عجمان وأم القيوين ورأس الخيمة حيث ركب بيلجريف سفينة صغيرة متجهاً إلى الشارقة. 
وكتب أن الساحل العماني بين أبوظبي ودبي كان رملياً ومكسواً ببساتين أشجار النخيل، والقرى متناثرة على طول الشاطئ المتلألئ. 

ورد في كتابه
ووصف الشارقة بأنها تقع وراء الخور بمسافة قصيرة، وتوجد أسوار حول المدينة وهي مفتوحة تماماً جهة الخور، وهناك قلعة ويتألف وسط المدينة القديم من منازل مشيدة من الطوب أو الحجر، في حين بدت صفوف  من الأكواخ المشيدة من الخشب وسعف النخيل يستأجرها صيادو السمك والبحارة، حيث تمتد صفوف الألواح بطول الشاطئ الرملي، - وورد في كتابه (وسط الجزيرة العربية وشرقها)  - يتكون الزي المحلي لملابس الرجال من قطعة قماش عريضة بيضاء أو مزودة بحاشية، ملفوفة حول خاصرتهم تنزل حتى الركبتين، مع عمامة خفيفة أو منديل هندي ملون معقود حول الرأس، ويمتاز الناس ببشرة وأجسام رشيقة ومشية متمهلة.

واستضافنا أحد تجار الأغنام واسمه عباس في منزله الذي يقع وسط الأزقة والطرقات الضيقة، وكان مشيداً من الخشب والقش فقط، وكان الجزء الداخلي منه حسن التأثيث ويبعث على الراحة، وهناك حفاوة وافرة، وكانت القهوة متوافرة طوال أيام إقامتنا الثلاثة في الشارقة، وهناك مسجد واسع تم تشييده قرب السوق، وأستطيع أن أشهد بأن هذا المبنى الضخم يدعو للإعجاب والتأمل بسبب الهدوء الذي يلف فناءه، وصارت الشارقة مركزاً بالنسبة لغربي عمان تماماً. ومن منطقة البدع إلى منطقة رأس مسندم، لا يوجد ميناء ذو أهمية كبرى أو سوق عام أو مركز للتجارة مثل الشارقة، إن ذلك النشاط يجتذب إليها الأجانب من دول عدة وأعراق مختلفة، وفيها أنواع جيدة من المصنوعات الذهبية والفضية الجميلة، وكنا نقوم بزيارات ونشهد مآدب غداء وعشاء. 

عادات وتقاليد
وتعمق في الحياة الإماراتية وتعرف على الكثير من تفاصيل الحياة الاجتماعية للسكان، ووصف المدن والقرى والعادات والتقاليد والحياة الاقتصادية وغيرها. وأثار كتابه الذي نُشر باللغة الإنجليزية للمرة الأولى عام 1865 في جزأين الكثير من النقاش والجدل وهو خير ما وصف الإمارات في فترة الستينيات من القرن التاسع عشر من مهن وحرف ومنتجات يدوية وتراثية وحرف ورثتها الأجيال مثل صيد اللؤلؤ الذي شكل تجارة أساسية في فترة من الزمن.
وسجل بأمانة المظاهر السائدة في جزيرة العرب في القرن التاسع عشر، والإمارات خاصة، وقد أمضى نحو عام في جولته في الخليج، تجول في الموانئ والقرى والمدن، وقابل الناس ورصد الكثير من الظواهر والعادات الاجتماعية، وسجل الرحالة الكثير من الانطباعات حول جغرافية المدن وتاريخ البلدان وأوضاع القبائل.

الحقيقة والخيال
ويعيب البعض على بيلجريف أنه كان يخلط بين الحقيقة والخيال، بينما يرى البعض إنها إضافة جديدة لأدب الرحلات لما تحتويه من علوم وثقافات وسياسة واجتماع ونقد وعلوم ومعارف كثيرة، على سبيل المثال ودون فصل دقيق بين الحقيقة والتصورات تحدث الرحالة البريطاني من خلال رحلته في وسط وشرقي الجزيرة العربية أن الكي هو العلاج الوحيد الذي يشيع استعماله بكثرة بين البدو في كل الأمراض تقريباً، ويتحمله الناس بصبر، يستثير الدهشة والعجب، ومهما كان الألم، وأينما كان موضعه، تجدهم يستعملون ميسم الكي بعد تسخينه لمعالجة الأمراض ومنها الروماتيزم، كما تحدث أيضاً عن طرق السقي والقنوات الجارية والأفلاج.

مظاهر الحياة
سجل بيلجريف بعض مظاهر الحياة الاجتماعية في الإمارات ولأنه كان شغوفاً بالتاريخ سرد عادات هذا المجتمع، انطلاقًا من رغبته بالمعرفة ولعل أهم ما لاحظه بيلجريف في شهر رمضان هو الإيمان المترسخ في نفوس الإماراتيين، كما يصف الناس بأنهم يتحلون بروح التكافل الاجتماعي والتسامح والهدوء، ورصد ما كان يُقال في المجالس التي كانت تلتقي فيها بعض القبائل وكذلك طقوس وعادات الإماراتيين في الشهر الفضيل في فرجانها البسيطة والخيام وروائح الأطعمة من البيوت وطقوس المسحراتي وغيرها من العادات والتقاليد التي لا تختلف عن بقية بلدان الخليج العربي.

مراجع:
1 ــ وسط الجزيرة العربية وشرقها/ وليام جيفورد بالجريف ؛ ترجمة صبري محمد حسن المجلس الأعلى للثقافة القاهرة 2001
HYPERLINK «https://en.wikipedia.org/wiki/Gifford_Palgrave»
- 2Gifford Palgrave - Wikipedia
HYPERLINK «https://www.bartleby.com/library/prose/3892.html»
- 3William Gifford Palgrave (1826-1888). Critical and ...
4PALGRAVE, William Gifford. 19270 | Historical Autographs