خولة علي (دبي)

«فريج المحارة» مازال ينعش ذاكرة كل من نشأ وتربي بين أزقته الضيقة وسكيكه الدافئة ودوره المتلاحمة، والتي تشكلت نتيجة طبيعة العلاقات الاجتماعية الوثيقة، التي ربطت أهالي الفريج ببعضهم بعضاً، وساقتهم نحو بناء مجتمع، استطاع أن يسخر مصادر البيئة المحلية، ليوفر احتياجاته، وفيما تجاوز بعضهم البحار للتبادل التجاري، ويعتبر فريج المحارة جزءاً من رأس الخيمة القديمة، التي تكونت من عدة فرجان، ارتبطوا مع بعضه بعضاً بمواثيق اجتماعية وأعراف وقيم رسمت منهجهم في الحياة، وأكسبتهم إرادة قوية في تجاوز المصاعب والعقبات والتصدي لها.

  • سلطان عبيد الزعابي

شاطئ الجزيرة
رحلة العودة إلى ذكريات فريج المحارة التي يطلعنا على تفاصيلها الباحث سلطان عبيد بن حسن الزعابي من أبناء فريج المحارة، موضحاً أن مدينة رأس الخيمة القديمة تتكون من أربعة فرجان، فريج آل علي، وفريج ميان، وفريج برع، وفريج المحارة، التي تعود تسمتها إلى سكن أهالي الفريج سابقاً، حيث سكنوا شبه جزيرة الجزعة والتي اشتهرت بالمحار، فعند حركة الجزر نجد شاطئ الجزيرة، وقد تغطي تماماً بالمحار لدرجة تحوله إلى اللون الأبيض، وكان أيضا تواجد الأهالي في منطقة الجزعة شكل لهم حماية طبيعية ضد الغزاة نتيجة حركة المد التي كانت تغطي المنطقة من كل اتجاهه، لكن في مقابل ذلك تجتاح مياه البحر المساكن، ما اضطر أهالي منطقة الجزعة الانتقال إلى مدينة رأس الخيمة القديمة، وقد سكنوا في فريج أطلق عليه فريج المحارة، ويمتد الفريج من الحصن إلى السوق القديم إلى منطقة الحويلة والبطح.

تمور البصرة
ويتابع الزعابي: لقد اشتهر سكان الفريج بالأسفار البحرية، نظراً لامتلاك رأس الخيمة قديماً أسطولاً ضخماً من السفن التجارية التي كانت تجوب البحار، فكانوا يجلبون التمور من البصرة وينقلونها إلى دول أخرى، كما يحملون البضائع المختلفة من الهند وأفريقيا، كما نشطت حركة صناعة السفن واهتم الأهالي بها، ومن أشهر من برع فيها من أهالي الفريج بن صراي، إلى جانب عملهم في الصيد والغوص، واشتهر منهم الكثير من تجار اللؤلؤ «الطواويش» والنواخذة الذين قادوا السفن لتجوب الأقاليم التي عرفت عنها بتنوع محاصيلها وبضائعها.. وللتعليم نصيب مهم في الفريج حيث توافد عدد من علماء الدين والحساب، من السعودية، كما اهتم أبناء الفريج أيضا في تعليم القراءة وعلوم القرآن وقد نهلوا ذلك على عدد من مشايخ العلم، ومنهم محمد الهناوي.

إرث ثقافي
ويذكر الزعابي بعض الأحداث التي أثرت على المنطقة منها الحرب العالمية الثانية، حيث تعرضت المنطقة للمجاعة الذي فتك بالكثير من الناس، فقام الإنجليز بتوزيع الحبوب وغيرها من المواد الغذائية على الأهالي عن طريقة البطاقة التموينية، ومع انتهاء الحرب انتعشت المنطقة قليلاً وأصبحت الطرق البحرية أكثر سلاسة. ولفت الزعابي إلى أن فريج المحارة مازالت بيوته قائمة، ومشيدة من الصخور المرجانية والجص، المتوفر في البيئة المحلية، لتتحول إلى إرث ثقافي للمنطقة، يجب المحافظة عليها وإعادة ترميمها لتكون وجهة مهمة للاطلاع على ملامح التراث وثقافة المنطقة وتاريخه.