نوف الموسى (دبي)

ترتفع أصوات مياه الخور نحو السماء، وتبقى أصداؤها تترنم إبان حركة الزائر إلى الداخل باتجاه البيوت القديمة، شيء ما يحملك على مراقبة الشمس، وهي ترسم عمق الضياء على تلك المساحات المفتوحة، وبها تتأمل خطواتك البينية في مدارات «السكيك» تلك الأزقة الضيقة بين المنازل، فيها تستشف السحر الأول للتلاحم بين أهالي حي الفهيدي التاريخي حينها، بل ويتكشف المعنى لـ«الظِلال» التي تهدينا إياها تلك الجدران المتراصة، المبنية من الحجر المرجاني، والجص، وخشب الساج، وخشب الشندل، وسعف وجذوع النخل، والمستمرة في إعطاء النسيم دافعاً للحياة والحركة، إنه تعايش قائم على العلاقة المتينة مع الطبيعة الأم. في جولة ميدانية لمساحة تُقدر بـ 31 ألف متر مربع، يستوقف المشاهد تاريخ إنشاء حي الفهيدي، العائد إلى عام 1890م، الواقع شرق المدينة القديمة في بر دبي، ويمتد بمحاذاة الخور لمسافة تصل لنحو 300 متر، وعمق باتجاه الجنوب لنحو 200 متر.انسيابية الحركة بين المباني القديمة، تقدم مشهدية نوعية، لأهم المراكز والأنشطة والمشاريع الثقافية التي احتضنها الحيّ، باعتباره تراثاً مادياً يعكس الحياة التقليدية السائدة في مدينة دبي منذ منتصف القرن 19 وحتى سبعينيات القرن العشري، في محاكاة عميقة للتراث الإنساني. 
ومن بينها إقامة حي الفهيدي التاريخي لـ «معرض أبواب الفني»، وفيها إعادة اكتشاف للوظيفة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للأبواب قديماً، والتي تتنوع أشكالها تبعاً للناحية الوظيفية للمبنى، وتميزت أبواب بيوت منطقة الفهيدي، بوجود الباب الصغير «الفرخة» الذي يوفر الخصوصية للمكان، ويمكن تميز الحالة الاجتماعية لصاحب البيت من خلال حجم وزخرفة الأبواب. 
وعند زيارة مركز الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للتواصل الحضاري، الذي تمّ افتتاحه عام 1998، أحد المراكز الثقافية المهمة في حي الفهيدي التاريخي، يمكن ملاحظة «البرجيل»، مسرب الريح أو ملقط الهواء، وهو عبارة عن برج طويل مستطيل الشكل، له فتحات جانبية ويتصل بغرفة رئيسة في البيوت القديمة، مهمته التقاط الهواء، وتوفير حركة للريح وتلطيف الجو. 
ويبقى الخور الممتد على طول 14 كيلومتراً النبض الحيّ للفضاء الاستثنائي في حي الفهيدي التاريخي، الإطلالة الزرقاء على البيوت القديمة، فيها «العبّارات»، مستمرة في نقل الركاب والسياح والتجار من ديرة إلى بر دبي، مقدمةً مشهدية ساحرة من المباني اللانهائية بتشكلاتها القديمة، توازيها الأبنية الحديثة في تداخل خاطف لذاكرة المكان وحاضره المتنامي.