نسرين درزي (أبوظبي)
 
أبت مريم سعيد المزروعي رئيسة اللجنة النسائية في جمعية شمل، أثناء حديثها عن فريج سدروه برأس الخيمة إلا أن تتجول بين سكيكه، قاطعة المسافة إليه من إمارة الشارقة، حيث تسكن حالياً. مشت بين بيوته القديمة، تتلمس أبوابها الصامدة في وجه الزمن، وتروي حكايات عن أهل قطنوها ونسجوا قصصاً عالقة في البال، كمن يتباهى بصفحات من كتاب الطفولة والصبا.

  • «سكيك» الفريج.. ممرات الطفولة والصبا

شجرة لكل بيت
مشت الوالدة بفخر، متنقلة بين ممرات سدروه الذي يعد من الفرجان الشهيرة في إمارة رأس الخيمة، كاشفة عن أنه اتخذ اسمه تيمناً بكثرة أشجار السدر فيه، بحسب ما رواه معاصرون تناقلوا قصصه جيلاً بعد جيل، حتى أن كل بيت من بيوته كان يستظل بسدرة أو أكثر. بدأت رحلتها بالتوجه إلى شجرة لوز معمّرة تُعرف بلوزة راشد بن سالم. 
اقتربت منها، قطفت غصناً شمّت فيه رائحة الماضي، وقالت: في طفولتي، كنت أستيقظ باكراً فيما جميع أهل الفريج نائمون، لأجمع مع انشقاق الفجر ثمار اللوز بين ملابسي قبل أن تمر بها الأغنام وتأكلها. وتوقفت عند بيت الدكتور أحرار، مشيرة إلى أنه بقي لسنوات طويلة الطبيب الوحيد الذي يعالج المرضى في بيته، بعدما كان أهل الفريج يستعينون بأطباء من مناطق بعيدة. 
ومما ذكرته قصة أخبرها إياها والدها الذي أصيب قبل أن تولد بمرض الجدري مع أختها وأخيها، ولم يكن في سدروه من يعالجهم فاستعان بطبيب اسمه ماكولي أتى إليهم من دبي مصطحباً معه الدواء. 

  • رائحة الماضي تمر من هنا

ذكريات
وبالحديث عن تطور شكل البيوت المتلاصقة في سدروه، ذكرت الوالدة مريم أنها كانت قديماً على شكل العريش الذي كان يبنى من سعف النخيلوعندما وصل الطابوق دخلت التصاميم المفرغة التي تتخذ على الأسطح أشكال النجمة والهلال. وأضافت: يشدني الحنين إلى سدروه الذي يحتل مكانة عميقة في قلبي، حيث ولدت وترعرعت ودرست وتزوجت، وأذكر علاقتي بجيران الطفولة، فقد نشأنا جميعاً على السنع والاحترام بين أسر معروفة كانت السند لبعضها في السراء والضراء. أمهات الفريج كن أمهاتنا، ولنا إخوان وأخوات من الرضاعة، وحضن الجارة كان حضناً لصغار الفريج في غياب الوالدة، وهذه ذكريات لا تنسى. 

نكهة الحياة
وعن أجواء الفريج في شهر رمضان، ذكرت الوالدة مريم أنه كان يعج بالحركة، وتنبعث من أرجائه رائحة التاريخ وعبق التراث ونكهة الحياة وبساطتها. ومما لا تنساه كيف كان الجيران يتبادلون الإفطار من فريج لآخر من بعد صلاة العصر، حيث تدب الحياة في نشاط متواصل.
البنات والصبيان يحمل كل منهم ماعوناً من الأكلات الشعبية، منها الهريس والثريد والساقو والعيش المحمّر وقريصات الدبس الغاوي والهراروت، الذي يعرف في أيامنا بالكاسترد. الرجال يجتمعون على الإفطار في البراح، والنساء إما يلتقين عند الجارات وإما يجلسن في البيت. 
وما أن يحل موعد صلاة التراويح حتى يسير الجميع باتجاه مسجد فريج أحمد بن هاشل الذي يفصلهم عنه سكيك يقطعونه مروراً ببيت كروع، وبيت إبراهيم الصومالي، وبيت حميد بن بدر، وبيت الحسيب، وبيت سيف بن جبران. ووصفت الوالدة مريم المسجد، لافتة إلى أنه كان صغير الحجم يقع في وسط الحارة، فيه ليوان مقسوم بساتر يشبه شراع البحر يفصل بين ركن الحريم وركن الرجال.

الرقعة
صغيرات السن كن يجتمعن مساءً في الرقعة، وهو المكان الفسيح الذي يركضن فيه، ويلعبن الجحيف والصوير وعظيم السرى. 

زمان وناس
من كلمات الشاعر سالم بن سعيد الشرهان عن سدروه: زمان ومر يا «سدروه» ما ننساه.. زمان وناس من الطيبين سكانك.. زمان يعود لا هب شرتا ولا يلعب نسيم الكوس بأغصانك.