ساسي جبيل (تونس)

بدأ بناء الجامع الكبير بسوسة سنة 236 هجرية الموافق لسنة 850 ميلادية بأمر من الأمير أبي العباس محمد بن الأغلب، وقد استمرت أعمال البناء عاماً وبضعة أشهر  ودخلت عليه تغييرات وزيادات خلال القرنين العاشر والحادي عشر.
وكان لمدينة سوسة الساحلية التي تتوسط تونس العديد من المساجد الصغيرة، أمّا الجامع الكبير فهو الأبرز، حيث إنه مستطيل الشكل، يتألّف من بيت للصّلاة وصحن محاط بأروقة من الجهات الغربية والشمالية والشرقية.

قلعة سميكة الجدران 
يبدو المسجد الجامع بسوسة على شكل قلعة سميكة الجدران قوية البنيان، ترتكز سقوفه وأروقته على الأساسات المبنية بالحجارة المرصوصة رصاًّ محكماً، بخلاف جلّ الجوامع التي ترتكز عناصرها المعماريّة على الأعمدة، مثل جامع القيروان والزيتونة ونابل وغيرها من المعالم الدينية الكبيرة.. كما أنّ هذا الجامع لم تبن له صومعة، بل إنّ إقامة الصلاة تنطلق من منارة قصر الرباط المجاور له على بعد بضعة أمتار.. وبالركنين الشمالي الشرقي والجنوبي الشرقي للصحن يوجد برجان الأوّل منهما بناء صغير مغطّى بقبّة، حيث يمكن الوصول إليه بواسطة درج انطلاقاً من الصّحن، أمّا الأروقة الثلاثة التّي تعلوها أقواس متجاوزة، فهي تستند إلى دعامات قصيرة، وتعود إلى مرحلة البناء الأولى في حين يرجع الرواق الرابع المحاذي لبيت الصلاة والمرتكز على أعمدة إلى الفترة الزيرية.

أهمية معمارية
وللجامع الكبير بسوسة أهمية معمارية وتاريخية كبيرة، وهو مصنف ضمن التراث الوطني التونسي، وفق ما هو مدون على اللافتة التي تتصدر مدخله الرئيس.
هذا الجامع الواقع حذو معلم الرباط الأثري وفي قلب الحركية الاقتصادية والسياحية اليومية في المدينة، يشكل مقصداً مهماً لزوار هذه المدينة السياحية من التونسيين والأجانب، إذ بمجرد ولوج بوابته الرئيسة يتعين عليك نزول درج صغير لتجد نفسك في باحة جميلة تحيط بها بعض الأروقة، وعلى يمينك، وفي أقرب رواق، تشاهد معلقات لوكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية تتضمن خارطة لهذا المعلم التاريخي ونبذة تاريخية عنه. 

هندسة عسكرية 
غياب الزخرفة التي تتميز بها عادة الجوامع الاخرى يؤكد على البعد العسكري لهذا الجامع الذي لا يحتوي كغيره على صومعة، ويمكن تفسير ذلك بقربه من الرباط الذي يوفر برجاً تتم منه المناداة للصلاة.. وشهد بيت الصلاة توسعة سنة 883 ميلادي، وبه  محراب يبدو أنّه يعود إلى القرن الحادي عشر، إذ أنّ الزخرف الموجود به (وجود القنوات المسطحة التي تنتهي في أعلاها بعقود صغيرة)، يعدّ من خاصيات العمارة الفاطمية والزيرية، ومن الأكيد أنّ المعلم عرف ترميمات خلال العصر الزيري، ذلك أنّه يوجد ببابه الغربي الذي يفضي مباشرة إلى بيت الصلاة نقوش توثق هذا الترميم.. ويحتوي هذا المعلم كذلك على ثلاثة أروقة موجودة في الجهة الشمالية والشرقية والغربية، ولا يزال حاجز الأروقة يحتفظ بنقوش كتبت بالخط الكوفي.

محراب مميز
يعد الجامع الكبير من بين أهم المعالم الدينية في تونس، وهو الجامع الوحيد في البلاد الذي ليست فيه منارة أي صومعة، ومحرابه من أجمل المحاريب، إذ إنه مزخرف بمربعات هي الشاهد الوحيد المتبقي إلى الآن.. وبني هذا الجامع فوق نسيج أقدم منه، وفيه العديد من الحجارة معادة الاستعمال، والتي تعود إلى الفترة الرومانية والمتمثلة في التيجان والأعمدة، وأنجز البناء بالصخر الصلب، وهو ما أعطاه صبغة دفاعية، خصوصاً وأن سوسة تعرضت إلى عدّة هجمات وحروب عبر التاريخ.
وتمت المحافظة على النواة الأولى من الجامع مع بعض الإضافات الطفيفة والزيادات.
وشهد الجامع سنة 2007 عملية ترميم وتجديد لكلّ الأسقف والأسطح، مع الصيانة المتواصلة له.

قبلة الطلاب
يُعتبر الجامع الأكبر من أهم وجهات الدّراسة بالنسبة إلى الطلبة الذين كانوا يتهافتون عليه من المشرق والمغرب للحصول على شهاداتهم العلمية بعد التحصيل العلمي على أيادي مشائخ هذا الجامع المشهود لهم بالتبحر في مختلف العلوم.