نسرين درزي (أبوظبي)

عندما قرر الدكتور علي السويدي استشاري جراحة العظام، السفر إلى أيرلندا في ثمانينيات القرن الماضي لدراسة الطب، ومن بعدها التخصص في جامعات كندا، كانت قلة من أبناء جيله تسعى إلى خوض غمار الغربة لسنوات طويلة، لكن إصراره دفعه إلى متابعة الطريق حتى التميز. وكان كلما أنهى مرحلة، طرق باباً آخرا من الدراسات العليا أثرت سيرته المهنية التي يضعها منذ العام 2005 في خدمة القطاع الطبي في أبوظبي. وأهم رسالة يوجهها إلى طلبة الجيل الجديد: القطاع الطبي يناديكم لتنضموا معنا إلى خط الدفاع الأول.

مواجهة «كوفيد - 19»
في بداية حديثه اختار الدكتور علي السويدي الإشارة إلى المستجدات التي طرأت منذ بداية جائحة «كوفيد - 19» على طبيعة عمله، سواء داخل غرفة العمليات أو في العيادة، قائلاً: لا شك أن الوباء فرض علينا كفريق طبي المزيد من التدابير الوقائية، إذ إنه مع الالتزام بالإجراءات الاحترازية وتخفيض عدد المراجعين في الوقت نفسه إلى النصف، وفقاً لإرشادات التباعد الجسدي، كان لا بد من إيجاد طرق أخرى للتواصل مع المرضى ممن لا تستدعي حالاتهم معاينات طارئة. وهكذا استعنت بالتطبيقات الافتراضية التي تضعني وجهاً لوجه مع المرضى للوقوف عند استفساراتهم مما لا يضطرهم في كل مرة إلى الخروج من البيت. وذكر أنه في زمن الجائحة كان لافتاً الدور الجوهري الذي لعبته الإمارات في التصدي للوباء، بحيث كانت من الدول السباقة التي وضعت قوانين صارمة منذ البداية لتفادي تفشي الفيروس. أولاً بتوصيات عدم الخروج إلا للضرورة، ومن ثم إطلاق برنامج التعقيم الوطني، وصولاً إلى السعي الجاد للحصول على اللقاحات بعد دراسة فعاليتها، وبدء منحها للسكان في سرعة قياسية وضعت الإمارات على قائمة الدول التي قدمت حتى الآن أعلى نسبة لقاحات لسكانها. 

تشجيع الوالد
ومن منطلق حرصه على تخصصات الجراحة التي يحتاجها القطاع الطبي في الإمارات، شدد الدكتور السويدي على ضرورة تشجيع الشباب الإماراتيين على الانخراط في هذا المجال، لافتاً إلى أن الدولة توفر لأبنائها كل سبل الدعم لأن يكونوا أطباء لامعين في المسبقل. واستعرض بداياته في مهنة الطب، وكيف كان والده وراء تشجيعه لدخول المجال لشدة تقديره لدور الأطباء في خدمة الإنسانية.
وقال: قبل قيام اتحاد دولة الإمارات أصيب أخي الصغير بمرض لم يتمكن الطب الشعبي السائد آنذاك من علاجه بوساطة الكي. ومع كل المعاناة التي تكبدتها الأسرة والمحاولات الحثيثة لإيقاف آلامه، لم ييأس والدي، وقد واصل البحث عن طبيب متخصص حتى وجده، وأخبره وقتها أن حالة أخي ليست مستعصية، وبمجرد أن واظب على الدواء تماثل للشفاء. ومن وقتها همس الوالد في أذني طالباً مني أن أصبح طبيباً لأقف عند احتياجات المرضى، وقد أعجبتني الفكرة. وعملت لسنوات طويلة بهدف تحقيقها على الرغم من مشقة الدراسة في الخارج، حيث كانت الغربة في ذلك الزمن متعبة جداً بعيداً عن الوطن والأهل. ومما ساعدني على تحقيق الحلم شعوري وأنا على عتبة النضوج أن دولتنا تحتاج إلى أطباء متخصصين يقفون على حال المرضى، مع إيماني بأن الشفاء بيد الله عز وجل، وأن الطبيب مجرد أداة في عمله.

سنوات الغربة
وروى الدكتور السويدي أنه كان متفوقاً في المرحلة الثانوية بمدرسة سعيد بن جبير الحكومية في إمارة رأس الخيمة، وقد ساعدته علاماته على السفر ببعثة من الدولة لمتابعة دراسته الجامعية في الخارج. واختار الكلية الملكية للجراحين في دبلين بأيرلندا، بعدما قرأ عنها وعرف أنها من الجامعات العريقة التي تعود لأكثر من 200 عام ويقصدها الطلبة من مختلف أنحاء العالم بما فيها أميركا وكندا.  وذكر أن السنة الأولى كانت صعبة حيث عانى من متاعب الغربة، وكان يدرس صباحاً في المعهد التعليمي لمعادلة الشهادة، فيما يتابع في الفترة المسائية دروسه في معهد اللغة الإنجليزية. وبعدما حصل على الدرجات الكافية التي خولته دخول كلية الطب، حيث أمضى 6 سنوات، تخرج في العام 1991، ثم باشر سنة الامتياز وأكمل في تخصص الجراحة العامة وحصل بعد 4 سنوات على الزمالة الملكية للجراحين بأيرلندا. وأضاف: عند عودتي إلى الإمارات لمباشرة العمل لمست حاجة القطاع الطبي إلى جراحين مواطنين، ولا سيما في مجال جراحة العظام، وهكذا قدمت أوراقي إلى جامعة تورنتو في كندا، والتي تعد من الأعرق في العام. وهناك أكملت التخصص في جراحة العظام على مدى 5 سنوات، وحصلت على الزمالة الملكية الكندية في جراحة العظام، ومن بعدها بسنتين نلت زمالتين إضافيتين في تخصص تنظير المفاصل والإصابات الرياضية من جامعة أوتوا، وتخصص جراحة الكتف والطرف العلوي من جامعة فانكوفور الكندية.

مرجع طبي
ومع عودته في العام 2005 إلى الإمارات حاملاً المزيد من الشهادات العليا، وجد الدكتور علي السويدي أنه لا بد بعد هذا المشوار الطويل من الدعم المادي والمعنوي الذي أحيط به من دولة الإمارات، أن يهديها فخره وامتنانه بوضع كل طاقاته لتعزيز المشهد الطبي في مجال تخصصصه. وباشر عمله في مدينة خليفة الطبية بأبوظبي كجراح استشاري في الكتف والإصابات الرياضية، وأسس في العام 2006 وحدة متخصصة بالكتف والطرف العلوي بمقاييس عالمية، ووحدة أخرى في العام 2015. ومن بعد «خليفة الطبية»، تنقل بين أكثر من مستشفى وشغل منصب المدير الفني لجراحة العظام في شركة أبوظبي للخدمات الصحية «صحة» ورئيس جمعية الإمارات للعظام في جمعية الإمارات الطبية. ويعد الدكتور السويدي مرجعاً طبياً في التعامل مع إصابات الكتف المعقدة، ورائداً في جراحات استبدال المفصل والتمزق والكسور. وساهم في نشر توعية عالية لمفهوم جراحات اليوم الواحد تصل إلى حد أقصاه 500 عملية سنوياً بجودة عالية ونتائج ممتازة للمرضى.

السياحة العلاجية
الدكتور علي السويدي أب لـ 3 بنات و3 أولاد يشجعهم على اختيار التخصصات التي تلائم شخصيتهم وتتوافق مع متطلبات سوق العمل في دولة الإمارات، ويخبرهم دائماً أنهم محظوظون مثل كثيرين من أبناء جيلهم بالعيش في الإمارات وتلقي كل وسائل التشجيع ليكونوا ناجحين ومميزين. وعن نفسه فهو يشعر بالفخر لكونه طبيباً في زمن يواجه العالم فيه تحديات «كورونا»، منوهاً بالتطور الكبير الذي حققته دولة الإمارات، من خلال رؤية القيادة الرشيدة، وبالسرعة القياسية التي وضعتها ضمن أهم الدول في السياحة العلاجية.
وقال: إن وجود أهم الكوادر الطبية والمستشفيات العالمية على امتداد الدولة، هو دليل قاطع على اعتبار الإمارات وجهة أساسية في المنطقة لتقديم أفضل أنواع العلاج وفقاً لأعلى معايير الجودة العالمية.

أبرز الشهادات
* زميل الكلية الملكية للجراحين بأيرلندا.
* برنامج الإقامة في جراحة العظام بتورنتو، كندا.
* زميل الكلية الملكية للجراحين بكندا - جراحة العظام.
* زمالة جراحة المناظير والجراحة الرياضية - جامعة أوتاوا بكندا.
* زمالة جراحة الأطراف العلوية - جامعة كولومبيا البريطانية بكندا.
* ماجستير في سياسات القيادة والصحة - كلية “جون هوبكنز بلومبرج” للصحة العامة بأمريكا.

أهم الأبحاث
- دراسة عن استخدام العاصبة في جراحة اليد - جامعة تورنتو 2001.
- مقارنة حول طريق تثبيت إعادة بناء الرباط الصليبي الأمامي في أوتار الركبة - بالم آيلاند، أميركا 2005.
- المشاركة في تأليف فصل تحت عنوان «علم الركبة الأساسي» من كتاب طب جراحة العظام الرياضية العملية والتنظير.