تامر عبد الحميد (أبوظبي)
تقود الكويت على مدى 60 عاماً الحركة الفنية في منطقة الخليج، وقدمت أعمالاً متنوعة في التلفزيون والسينما والمسرح أصبحت من العلامات البارزة في تاريخ الفن الكويتي والخليجي بشكل عام، وفي هذه المحطة التي تواكب اليوم الوطني الـ60 لدولة الكويت نعود إلى بدايات هذه الحركة، ونقف عند أهم المشاهد البارزة والتعاونات المثمرة مع دولة الإمارات، التي كان لها الأثر الكبير في إنتاج أعمال ذائعة الصيت والتي لا تزال محفورة في أذهان الناس حتى وقتنا هذا، كما أسهمت في ظهور عدد كبير من الفنانين المؤسسين في كل المجالات، والتي حافظت فيما بعد على نسقها الفني وتخطت الحدود وأنتجت أعمالاً تعد من علامات الفن في المنطقة.
بدايات
بدأت الحركة الفنية في الكويت في عصر النهضة الكويتي، حيث زاد الاهتمام بالأدب والفنون، وبدأ التركيز على تطوير هذه الحركة في المسرح والتلفزيون، ولأكثر من خمسين عاماً من التألّق والحضور للدراما الكويتية، التي عبرت عن أحوال المجتمع، راصدة لهمومه، ومسلطة الضوء على مشكلات الشباب، ومتشابكة مع كل التجربة الحداثية التي بدأ بها عصر الاستقلال، فكانت هذه الأعمال بمثابة ذاكرة وطن في حقبة تاريخية مهمة ترسخت في وجدان الأجيال، فعاشت الدراما التلفزيونية عصرها الذهبي، ووصلت إلى العالم العربي بفضل جهود صناع الدراما ونخبة النجوم الكويتيين أمثال الراحل عبد الحسين عبد الرضا، وحياة الفهد وسعاد عبدالله وسعد الفرج وجاسم النبهان ومحمد المنصور وغانم الصالح، حتى لقبت الكويت بـ«هوليوود الخليج»، بفضل قوة نصوصها وجمال مضمونها وأداء مبدعيها.
أعمال رائدة
خلال نصف قرن، برزت العديد من الأعمال الدرامية الكويتية التي سطعت ورفعت اسم الكويت عالياً كرائدة في هذا المجال، ومن أهم تلك الأعمال «الملقوف» عام 1973 الذي يعتبر بدايات للكوميديا الارتجالية، حيث لعب بطولته عبد الحسين عبد الرضا ومحمد جابر، و«حبابة» عام 1976 الذي لعب بطولته حياة الفهد ومريم الغضبان ومحمد المنصور وأحمد الصالح وإبراهيم الحربي وهدى حسين، و«درب الزلق» عام 1977، الذي يعد من أشهر وأبرز المسلسلات الخليجية والعربية.
تعاون
بين الإمارات والكويت تاريخ فني طويل وتعاون مشترك، نتج عنه تنفيذ العديد من الأعمال الدرامية التلفزيونية التي حققت انتشاراً وصدى كبيراً وشارك فيها نخبة من نجوم الدراما في أعمال إماراتية وكويتية، من بينها «حدود الشر» و«رمانة» و«أم هارون» التي شارك حياة الفهد بطولتها الفنان أحمد الجسمي، كما شارك الفنان جاسم النبهان في عدة أعمال كان أبرزها مسلسل «خيانة وطن» مع حبيب غلوم، و«غمز البارود» و«الشهد المر» اللذين شاركت فيهما الفنانة زهرة الخرجي، إلى جانب العديد من الإنتاجات الكويتية الأخرى التي عرضت أغلبها في مواسم الدراما الرمضانية على شاشات محلية أهمها شبكة تلفزيون أبوظبي، وحققت نسبة مشاهدة عالية، كان آخرها: «جنة هلي» لسعاد عبد الله و«محمد علي رود» لسعد الفرج و«مانيكان» لهيا عبد السلام.
وحول التعاونات الفنية المثمرة بين الإمارات والكويت، ثمن الفنان الكويتي القدير سعد الفرج الدور الكبير الذي تلعبه «أبوظبي للإعلام» في تقديم محتوى ثقافي وفني وترفيهي راق، يلبي تطلعات الجمهور في مختلف أنحاء الوطن العربي، معبراً عن فخره وسعاته بتعاونه المثمر مع تلفزيون أبوظبي منذ بداياته الفنية وحتى الآن، خصوصاً بعد النجاح الكبير الذي حققه مسلسله الأخير «محمد علي رود» الذي عرض على شاشة «أبوظبي» في رمضان الماضي، متمنياً أن يستمر هذا التعاون وتحقيق النجاحات في الأعمال الفنية المقبلة، مشدداً على ضرورة وجود العديد من الأعمال الدرامية التلفزيونية المشتركة، لاسيما أنها تخلق حالة من التفرد والتميز الفني، وفي الوقت نفسه تسهم في عملية تبادل الثقافات والخبرات خصوصاً بين جيل المخضرمين والشباب؛ لذلك فهو حرص خلال مسيرته الفنية أن يشارك بأعمال متعددة في أغلب دول مجلس التعاون بشكل عام والإمارات بشكل خاص، لأنها تثري الساحة الدرامية، وكذلك السينمائية بأعمال ذات أفكار جديدة وطاقات إبداعية مختلفة وتظهر مواهب فنية واعدة، لاسيما أنه شارك في تجربة سينمائية إماراتية مميزة في فيلم «شباب شياب». فيما أشاد الفنان جاسم بالتعاون الكويتي الإماراتي، وقال: تجمعني بالإمارات ونجومها بعالم الدراما والفن علاقة وطيدة منذ سنوات طويلة، واشتركت معهم في بطولة العديد من الأعمال المتميزة التي استعرضت قصصاً اجتماعية وحقباً زمنية مختلفة، وتناولت قضايا مهمة «خارج الصندوق»، مثل مسلسل «خيانة وطن» الذي عرض على شاشة تلفزيون أبوظبي، محققاً ردود أفعال إيجابية، لافتاً إلى أنه يعتز بتعاونه الدائم مع تلفزيون أبوظبي، حيث يعتبر من أوائل الفنانين الذي عرض له عملٌ عبر شاشته من خلال مسلسل «قصة موال» عام 1974.
سينما الكويت
في عام 1971 أخرج خالد الصديق أول فيلم روائي كويتي يتحدث عن تراث الكويت الثقافي وتاريخها بعنوان «العاصفة»، وفي عام 1972، أنتجت الكويت أول فيلم روائي طويل لها «بس يا بحر» من إخراج خالد الصديق وشارك في بطولته حياة الفهد ومحمد المنصور وسعد الفرج وأمل بكر، الذي يتحدث عن حياة ما قبل اكتشاف النفط وعندما كان الصيد مهنة ومصدر الدخل الأساسي لأهالي الكويت في ذاك الزمن، وأدى هذا الفيلم إلى بدء صناعة السينما في الكويت حيث كان أحد أشهر الأفلام الروائية بالأبيض والأسود وكانت مدته ساعة و41 دقيقة.
وفي عام 1976، أنتجت الكويت فيلمها الطويل الثاني «عرس زين» بطولة علي مهدي وعوض صديق، وإخراج خالد الصديق، ومن بعدها توالت الإنتاجات السينمائية لعدد كبير من المنتجين والمخرجين والفنانين، من أبرزها «ليلة القبض على الوزير» و«طرب فاشن» و«فرصة أخرى» و«الدنجوانة» و«تورا بورا» و«هالو كايرو».
الحركة المسرحية
شهد المسرح الكويتي تميزاً كبيراً، إذ تعد الحركة المسرحية الكويتية من النشاطات الثقافية البارزة، التي صاحبت المتغيرات الاجتماعية الحديثة، فكانت معرفة الكويت بالمسرح قد بدأت فعلياً منذ عام 1938 على يد أساتذة من بعثة المدرسين العرب، ويذكر أن أول مسرحية من نشاطات المسرح المدرسي كانت من تقديم طلاب مدرسة المباركية التي أقيمت على ساحتها في عام 1938 - 1939، حيث عرضت مسرحية «إسلام عمر» أو «عمر بن الخطاب في الجاهلية والإسلام» وفي العام الدراسي نفسه قدمت مسرحية «فتح مصر»، واستمرت المحاولات المسرحية مرتبطة بالمدارس، إذ تشكلت في عام 1939 فرقة بمدرسة الأحمدية، وفي عام 1940 ظهرت فرقة مدرسة الشرقية، ثم فرقة مدرسة القبلية، فتأسست بذلك أربع فرق مسرحية في المدارس الأربع، ثم توسع المسرح المدرسي بعد بعثة الطلاب إلى مصر، فكانت لهم تجارب أثرت في الحركة المسرحية ومن نتائجها مسرحية «المروءة المقنعة» في عام 1947، وبعد ذلك مثلت فرقة التمثيل رواية هزلية اسمها «مهزلة في مهزلة» التي تعتبر أول نص مسرحي كتب في الكويت من تأليف الشاعر أحمد العدواني.
ثم أخذت الحركة المسرحية الطابع الرسمي، وذلك بعد استدعاء دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل، الممثل زكي طليمات للتباحث معه في شؤون المسرح رغبة في تطوير الحركة المسرحية في الكويت، وقد عمل بجهد صادق لإبراز النواحي المسرحية في الكويت ووضع تقريراً مفصلاً، محاولاً ترسيخ المفاهيم الجديدة في البيئة لتقبل الفن المسرحي مع الإقناع بأنه ليس خرقاً للتقاليد والعادات، وربط التقرير بين ألوان النشاط الفني المسرح - الموسيقى - السينما، وكانت مهمة طليمات تتمركز في إنشاء فرقة للتمثيل العربي؛ لذا قام في عام 1961 بالتعاون مع وزارة الشؤون بتكوين فرقة المسرح العربي كنواة للمسرح الكويتي الحديث، لتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ المسرح في الكويت تحت إشراف زكي طليمات وتوجيهاته، وفي عام 1962، تم اختيار أربعين كويتياً يعتبرون نواة المسرح الكويتي، حيث انضمت لأول مرة فتاتان كويتيتان هما مريم الغضبان ومريم الصالح، وضمت الفرقة إلى هذا العدد من الكويتيين والكويتيات 15 عضواً من أبناء الأقطار العربية وممثلتين مصريتين.
وظلت الحركة المسرحية في الكويت في تطور وازدهار وقدمت فرقة المسرح العربي مجموعة من العروض المسرحية الشهيرة منها «اغنم زمانك» قدمت عام 1966 وهي من تأليف عبد الحسين عبد الرضا وشهدت هذه المسرحية انطلاقة الفنان محمد جابر بشخصية العيدروسي الشهيرة التي جسدها لأول مرة في هذه المسرحية التي لعب بطولتها سعاد عبد الله وخالد النفيسي وعلي البريكي ومحمد جابر وغانم الصالح، ومسرحية «عشاق حبيبة» من تأليف حسن يعقوب العلي وإخراج فؤاد الشطي وبطولة باسمة حمادة وسعاد حسين وعرضت عام 1978 ومسرحية «القضية خارج الملف» وهي من تأليف مصطفى الحلاج وإخراج فؤاد الشطي وبطولة سعاد حسين وهناء محمد وسليمان الياسين وعرضت عام 1989، وتوالت نجاحات المسرح باهتمام بعض الفنانين بـ«أبو الفنون» مثل الفنان طارق العلي.
ثنائي فني
كونت الفنانتان سعاد عبدالله وحياة الفهد ثنائياً فنياً في المشهد الدرامي الكويتي، جذبتا من خلاله الأضواء وحققتا شهرة وانتشاراً خليجياً وعربياً، وقدمتا بعض الأعمال التي نالت إشادات صناع الدراما في المنطقة، ولا تزال أعمالهما خالدة حتى الآن، من أبرزها «خالتي قماشة» عام 1983 و«رقية وسبيكة» عام 1986.
دراما متميزة
في عام 1980، تم إنتاج مسلسلين حققا شهرة وانتشاراً كبيرين هما «خرج ولم يعد» بطولة غانم الصالح وسعاد عبد الله وحياة الفهد وانتصار الشراح وإبراهيم الصلال، و«إلى أبي وأمي مع التحية» بطولة خالد النفيسي وحياة الفهد، وتوالت بعد ذلك المسلسلات التي حققت نجاحاً كبيراً منها «درس خصوصي» عام 1981 بطولة عبد الحسين عبد الرضا وسعاد عبد الله وحياة الفهد ومريم الصالح، و«زمن الإسكافي» عام 1998 بطولة عبد الحسين عبد الرضا وسعاد عبد الله وغانم الصالح.
رواد
خلال مسيرة طويلة من الإبداع قدم عدد من رواد الفن الكويتي الأصيل، أعمالاً متميزة ساهمت في غرس القيم الأصيلة لدى الجمهور، وتكريس روح الولاء والانتماء للوطن والحفاظ على الوحدة الوطنية ومن أبرزهم الراحل عبد الحسين عبد الرضا، الذي قدم العديد من الأعمال المسرحية والدرامية المتميزة منها: «درب الزلق» و«درس خصوصي» و«الأقدار» و«سوق المقاصيص» و«أبو الملايين»، وعلي البريكي أحد رواح المسرح والدراما، الذي اشتهر بدوره في مسلسل «محكمة الفريج»، وأحمد الصالح الذي يعد من أبرز وجوه الحركة المسرحية الكويتية، ومن أشهر أعماله «شرايج بو عثمان» و«العمارة رقم 20»، وغانم الصالح الذي أسهم في تأسيس المسرح الكويتي، ومن أبرز أعماله «على جناح التبريزي» و«باي باي لندن» و«حرم سعادة الوزير»، إضافة إلى أعماله الدرامية المتميزة منها «خالتي قماشة» و«قاصد خير» و«خرج ولم يعد»، والفنانة مريم الغضبان التي لديها مسيرة فنية حافلة قدمت خلالها عدة أعمال نالت اهتمام المشاهد منها «حبابة» و«خالتي قماشة»، وعبد العزيز النمش الذي جسد العديد من الشخصيات واشتهر بدوريه في مسلسلي «درب الزلق» و«الأقدار».