علي عبد الرحمن (القاهرة)
«عملنا اللي علينا.. والباقي على ربنا».. عبارة تتردد دائماً على لسان الأطباء في الأفلام العربية القديمة، وأصبح المشاهد يتوقعها.. بل وينتظرها كلما شهد طبيباً يعالج مرضاه في أحد المشاهد السينمائية.
وإذا كان الممثل الطبيب «عمل اللي عليه» في الفيلم، فهل «عملت السينما اللي عليها» تجاه هذه المهنة الصعبة ورجالها؟ وهل قدمتهم بما يليق بدورهم الإنساني المهم في المجتمعات؟.
عبر مئات الأفلام العالمية والعربية اهتمت السينما بتسليط الضوء على الطبيب، ساعية إلى تفسير الأبعاد الإنسانية لهذه الشخصية الصعبة التي تتعامل مع آلام البشر يومياً، وتعايشها مع الصراع بين الواجب والحياة والطموح الشخصي.
«الدكتور فرحات»
بعد نحو 20 عاماً فقط من فيلم فلورنس نايتينغل، دق فيلم «الدكتور فرحات»، أبواب دور العرض السينمائية في القاهرة والإسكندرية، ليصبح أول فيلم باللغة العربية عن مهنة الطب. وتناول الفيلم مهنة الطب من خلال دكتور يكتشف علاج أحد الميكروبات التي تصيب الإنسان، وشارك في بطولته تحية كاريوكا، وعرض الفيلم عام 1935.
الدكتور عماد حمدي !
الفنان الراحل عماد حمدي من أكثر الفنانين تجسيداً لشخصية الطبيب بالسينما المصرية، وجسدها 9 مرات، بداية من بداية من فيلم «سجى الليل» وعرض عام 1948، مروراً بفيلم «وفاء» وجسد فيه دور طبيب يعالج الفقراء مجاناً في مستشفى والده الخاص وعرض عام 1953.
كما جسد شخصية الطبيب في عدة أفلام منها «ارحم حبي»، وعرض عام 1959، و«المرأة المجهولة»، و1960، و«الليالي الدافئة»، و1961،
ولشهرة عماد حمدي في شخصية الطبيب كان يطلق عليه البعض في صحافة الخمسينيات «الدكتور عماد حمدي».
خيرية البشلاوي: لم تنصفها السينما
أما الناقدة الفنية خيرية البشلاوي فتقول: السينما العربية لم تتناول مهنة الطب بشكل واقعي، وتناولتها في إطار دراما يغلب عليه الطابع الرومانسي حول البطل الذي يجسد مهنة الطبيب ويعترض طريق بطلة العمل، ولكن على المستوى الواقعي مهنة الطب لم تنصفها السينما بالشكل الذي تسحقه، ولم يتطرقوا إلى الواقع الطبي وكواليس تلك المهنة العظيمة كما يجب، إلا في عدة مرات تظل هامشية، ويجب على صناع الفن السابع في الفترة المقبلة أن تتناولها بشكل جدي لإبراز دور مهنة الطب المؤثرة بشكل فعال وقوي في مجتمعاتنا.
قبل 106 أعوام
ومنذ بداياتها تعرضت السينما للمهنة الطب، واستعرضت أدوار من يسهرون من أجل الإنسانية، عبر الفيلم الصامت «Florence Nightingal»، الذي عرض في عام 1915 أي قبل 106 أعوام، ورصد قصة حياة رائدة التمريض في نهاية القرن الثامن عشر فلورنس نايتينغل وتمردها على تقاليد عائلتها الاستقراطية لمساعدة الجنود الجرحى خلال حرب «القرم».
وتوالت بعد ذلك الأفلام منها «Monsieur Vincent» وعرض الفيلم عام 1947، و«The Doctor» وعرض الفيلم عام 1991، و«Outbreak»
وعرض الفيلم عام 1995، و «The Good Doctor»، وعرض الفيلم 2011، وغيرها من الأفلام.
«عملنا اللي علينا»
الفنان المصري عبد العظيم كامل، أشهر من جسد شخصية الطبيب بالسينما المصرية في حقبتي الخمسينيات والستينيات، واشتهر بعباراته الشهيرة مثل «احنا عملنا اللي علينا والباقي على ربنا»، و«حد بس يروح يصرف الروشتة دي»، وتناولت عباراته منصات التواصل الاجتماعي بنوع من الدعابة والسخرية هذا الطبيب من أعظم الأطباء المريض على فراش الموت في مشهد وقبل وصول علاجه يتم شفائه في المشهد التالي.
محمود عبد الغفار: قدمت المهنة بشكل سطحي
الدكتور محمود عبد الغفار استشاري جراحة الأورام يقول لـ «الاتحاد الأسبوعي»: إن السينما العربية قدمت مهنة الطب بشكل سطحي ولا تتناسب مع مكانتها السامية، وأن معظم الأعمال الفنية تناولتها في إطار درامي ضيق حول طبيب شهير يعالج مرضاه أو آخر يستغل مهنته لتحقيق أرباح مالية، ولم تتناول الصعاب والتحديات لمهنة الطب والعاملين بها، وسط ظروف وأجواء بالغة الصعوبة، وهذا ما لمسه العالم في معركته الأخيرة ضد جائحة فيروس «كورونا» المستجد.
«ثلاثية» شكري سرحان
الفنان شكري سرحان تناول الواقع الطبي من خلال ثلاثة أفلام، الأول «صراع الأبطال»، وأظهر دور الطبيب الذي تمرد على الفقر والجهل وفرض الحجر الصحي على قريته بعد تفشي وباء «الكوليرا»، وعرض الفيلم عام 1962، والثاني «المتمردون»، وجسد دور الطبيب صاحب الرسالة السامية عندما يذهب إلى مصحة وسط الصحراء، فيكتشف أن فيها قسمين، الأفضل لأصحاب المال الذين يتلقون العلاج الصحيح، والقسم الآخر للفقراء الذين يحظون برعاية صحية متدنية، ليعترض على ذلك الوضع، ليؤكد رسالة الطب السامية أنها لا تفرق بين غني وفقير، وعرض الفيلم 1968، وبنفس العام قدم سرحان رائعته فيلم «قنديل أم هاشم»، الطبيب المتخصص في جراحات العيون، ويحارب الجهل والتخلف عندما حاول توعية أهالي الحي، فانقلبوا عليه لاعتقادهم أنه يهاجم معتقداتهم الدينية، فلا يجد أمامه غير المزج بين العلم والمعتقدات في علاج مرضاه.