طه حسيب (أبوظبي)

قراءة رقمية مهمة يرصدها تقرير عام 2020 عن «حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم: تحويل النظم الغذائية من أجل أنماط غذائية صحية ميسورة التكلفة»، الصادر حديثاً عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو»، بالتعاون مع «الصندوق الدولي للتنمية الزراعية»، وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية منظمة الأمم المتحدة للطفولة «الونيسيف». التقرير توصل إلى خلاصة مفادها أنه بعد مضي 5 سنوات على الالتزام العالمي بوضع حد للجوع وانعدام الأمن الغذائي وجميع أشكال سوء التغذية، ما زلنا خارج المسار الصحيح لبلوغ هذا الهدف بحلول عام 2030، علماً أنه يحتل المرتبة الثانية ضمن الأهداف السبعة عشر للخطة العالمية للتنمية المستدامة التي تم إقرارها عام 2015. اللافت أن ثمة تقدماً في اتجاه ضمان الحصول على أغذية آمنة كافية للجميع على مدار السنة، وليس باتجاه استئصال جميع أشكال سوء التغذية.
حسب التقرير، فإنه عالمياً، عطّلت النزاعات والتقلبات المناخية في عامي 2017 و2018 جهود القضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي، وفي عام 2019 أربك الانكماش الاقتصادي هذه الجهود، وفي عام 2020 ألقت جائحة كوفيد-19 وحالات تفشي الجراد الصحراوي غير المسبوقة في شرق أفريقيا بظلالها على التوقعات الاقتصادية بطرق لم يكن أحد يتوقعها، وهو وضع يراه التقرير مرشحاً للتفاقم «مالم نتحرك على وجه السرعة ونتخذ إجراءات غير مسبوقة».
قبل جائحة كوفيد-19 كان نحو 690 مليون شخص، أو ما يعادل 8.9% من سكان العالم يعانون نقصاً في الغذاء. أرقام التقرير تقول: إن عدد الجياع في العالم يرتفع ببطء منذ عام 2014، حيث طال الجوع 60 مليون شخص، وإذا استمرت هذه الوتيرة سيبلغ عدد من يعانون نقصاً في الغذاء بحلول عام 2030 إلى 840 مليون نسمة. وأكثر من ربع سكان الأرض عانوا من الجوع، أو لم يحصلوا بشكل منتظم على أغذية كافية في عام 2019. 
وحسب آخر التوقعات العالمية التي يسردها التقرير، فإن جائحة كوفيد-19، ربما أدت خلال عام 2020 إلى التحاق ما بين 83 إلى 132 مليون نسمة إلى صفوف من يعانون نقصاً تغذوياً. 

سوء تغذية
ويحذر التقرير من مؤشرات تعكس سوء تغذية الأطفال على الصعيد العالمي: ففي عام 2019 عانى 6.9% من أطفال العالم أو 47 مليون طفل من الهزال، و5.6% من الوزن الزائد، أي 38.3 مليون طفل. وفي العام نفسه عانى 340 مليون طفل من نقص المغذيات الدقيقة. وتشهد معدلات السمنة لدى البالغين ارتفاعاً في كافة مناطق العالم. وبغض النظر عن احتمالات حدوث ركود اقتصادي عالمي، فإن الجهود المبذولة حالياً غير كافية على الإطلاق لوضع حد لسوء التغذية، خلال العقد القادم. 
الوكالات الدولية الخمس التي شاركت في التقرير لديها قناعة بأن السبب الرئيس لتعرض ملايين الأشخاص من مختلف أرجاء العالم للجوع، وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، إنما هو عدم قدرتهم على تكبد تكلفة أنماط غذائية صحية، فالأنماط المكلفة وغير ميسورة الثمن ترتبط بازدياد انعدام الأمن الغذائي، وجميع أشكال سوء التغذية. كما أن جائحة كوفيد-19 تفرض صعوبات متنامية على الأسر من أجل الحصول على الغذاء، والأمر يزداد صعوبة لدى الشرائح السكانية الأشد فقراً.

نمط غذائي
صحيح أن العالم ينتج ما يكفي من غذاء لإطعام جميع سكانه، لكن يعجز 1.5 مليار نسمة من سكانه عن تحمل تكلفة نمط غذائي يلبي المستويات اللازمة من المغذيات الأساسية، كما يوجد 3 مليارات نسمة عاجزين عن تأمين حتى أرخص الأنماط الغذائية الصحية. ويتوزع من يفتقرون إلى نمط غذائي صحي في شتى أنحاء العالم، لذلك نحن بالفعل أمام مشكلة عالمية.
التقرير يلفت الانتباه إلى التكلفة المالية المستترة للأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية، والمقصود بها التكاليف الصحية المتمثلة في عبء الأمراض غير المعدية المرتبطة بأنماط الغذاء، ومعدلات الوفيات المتعلقة بها، والتي يُقدّرها التقرير بـ1.3 تريليون دولار في السنة بحلول عام 2030، وهناك التكلفة الاجتماعية الناجمة عن أنماط غذائية تتسبب في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، والتي تقدر بـ1.7 تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2030. ويلفت التقرير الانتباه إلى أنماط التغذية الحالية في العالم مسؤولة عن 21 إلى 37 % من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ما يجعلها محركاً رئيساً لتغير المناخ، حتى من دون رصد تأثيرات بيئية أخرى تتعلق بهذه الأنماط. ويدعو التقرير إلى اتباع أنماط غذائية مرنة، وانتهاج نمط الغذاء النباتي، أو النباتي السمكي، أو النباتي التام، وجميعها ستخفض التكاليف الصحية المتصلة بأنماط الغذاء لدرجة تصل إلى 95%
ولمواجهة ارتفاع تكلفة الغذاء، يتطلب الأمر- حسب التقرير- دعم منتجي الغذاء، خاصة صغار المنتجين والحرص على وصولهم للأسواق، وعرض منتجاتهم بتكلفة منخفضة، بحيث تصبح سلاسل إمدادات الغذاء مجدية للمنتجين، وأيضاً للمليارات من المستهلكين، ممن لا يتحمل دخلهم تكلفة الأنماط الغذائية الصحية.

وتفيد توقعات عام 2030 بأن معدل انتشار نقص الغذاء في أفريقيا سيرتفع من 19 إلى 25.7%. وفي أميركا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي ستصل النسبة إلى 9.5% بعدما كانت 7.4% عام 2019. ومن المتوقع بحلول 2030 أن يصل عدد الجياع في آسيا إلى 330 مليون نسمة، لكن ستظل أفريقيا موطناً للعدد الأكبر ممن يعانون نقص الغذاء، بإجمالي 433 مليون نسمة، أي ما يعادل 51.5% من سكان القارة السمراء. 
وخلص التقرير إلى أن جائحة كوفيد-19 زادت خلال 2020 عدد من يعانون نقص التغذية بأرقام تتراوح ما بين 83 إلى 132 مليون نسمة. وإطلالة على خريطة توزيع الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي، سواء المعتدل أو الشديد، لقائمة من أصل ملياري شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي في العالم، يوجد 1.03 مليار في آسيا، و675 مليوناً في أفريقيا و205 ملايين في أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، و88 مليوناً في أميركا الشمالية وأوروبا، و5.9 مليون في منطقة أوشيانا.

الكتاب: حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم
المؤلف: منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة
دار النشر: منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة
تاريخ النشر: ديسمبر 2020