تامر عبد الحميد (أبوظبي) 

ستظل الإذاعة هي صوت الناس في كل مكان وزمان، حيث تمثل نبض الحياة اليومية وتغوص في تفاصيل الحياة، وتشارك المستمعين اللحظات السعيدة والمؤلمة، وتروح عنهم عبر البرامج الموجهة، وتتفاعل معهم بكل فئاتها سواء الثقافية والاجتماعية والبرامج الدينية، ولن يتأثر حضورها أو يهتز عرش ريادتها مع التطور التكنولوجي المتسارع، بل على العكس تماماً فقد أثبتت مرونتها بتحولها من وسيلة مسموعة إلى منصة ذكية تنقل برامجها بالمباشر صوتاً وصورة، شوهدت في الآونة الأخيرة طفرة في ثالوث الشكل والقالب والبث، لتكون أكثر ازدهاراً في العشر سنوات المقبلة، وأسرع انتشاراً وأقوى جاذبية، وحضوراً خاصة عند تطويعها مع الذكاء الاصطناعي لخدمة رسالتها ورؤيتها.
بمناسبة اليوم العالمي للإذاعة الذي حددت له المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» يوم 13 فبراير من كل عام يوماً عالمياً للاحتفال بالراديو، تستعرض «الاتحاد» نشأة وتطور الإذاعة عالمياً وعربياً. ومذيعي الإذاعة، ليتحدثوا عن تطور الإذاعة والتحدي الذي تواجهه مع التطور التكنولوجي وعصر الحداثة الذي نعيشه.
وقال عبد الرحمن عوض الحارثي، المدير التنفيذي لشبكة أبوظبي الإذاعية: منذ تأسيسها، نجحت شبكة أبوظبي الإذاعية التابعة لـ «أبوظبي للإعلام» في تبني نهج إعلامي متميز أساسه المحتوى المبتكر الهادف والمتنوع، لتواكب من خلاله النهضة الحضارية لدولة الإمارات، عبر تسليط الضوء على الإنجازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي حققتها الدولة طوال العقود الماضية، كما ساهمت الشبكة من خلال إذاعاتها في عملية بناء الوعي لدى المجتمع.

  • عبد الرحمن الحارثي

وأضاف: في الوقت الذي نحتفي به باليوم العالمي للإذاعة، تواصل «أبوظبي للإعلام» مسيرة التحديث والتطوير عبر مجموعة شبكاتها الإذاعية، من خلال إطلاق دورات برامجية متجددة ومنصات بث نوعية عبر التطبيقات الرقمية ومختلف المواقع الإلكترونية، بما ينسجم مع استراتيجية أبوظبي للإعلام التي تهدف إلى تلبية احتياجات مختلف أفراد المجتمع واهتماماتهم من خلال المحتوى الترفيهي والرقمي.
وتابع: بدعم من الكفاءات الوطنية الإعلامية، استطاعت «أبوظبي للإعلام» مواكبة التطور الرقمي الذي يشهده القطاع الإعلامي، حيث استفادت مبكراً من التحول الرقمي في عملياتها لتعزز مركزها الريادي في الدولة وعلى مستوى المنطقة، ليكون الترفيه الهادف جزءاً لا يتجزأ من توجهاتنا المقبلة.
ونوه الحارثي بمستوى التنوع الذي تتمتع به شبكة أبوظبي الإذاعية، سواء من حيث الطرح، أو الجمهور المستهدف، إلى جانب اللغات المتنوّعة التي تنطق بها عبر أثيرها، والتي تمكّنها من الوصول إلى أكبر شريحة من الجمهور على اختلاف تفضيلاتهم.

بساطة وعفوية
من جهتها قالت الإعلامية شمس السعدي، الإذاعة اليوم وأمس وغداً تظل هي المنبر والوسيلة الأكثر استخداماً والأقرب إلى الجمهور فهي تلامس الواقع بكل بساطته وعفويته، ووحدها تمتلك القدرة الفريدة على الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور، فهي شريك دربك ومفتاح يومك وأثبتت الإذاعة قدرتها على التنافس في ظل هذا الكم الهائل من وسائل التواصل الاجتماعي الذي نشهده اليوم تظل الإذاعة راسخة على عرشها، وقالت: اعتبر نفسي محظوظة لأني مذيعة إذاعة وتلفزيون، فلكل منهما جماله، إلا أن للإذاعة نكهة مختلفة ولها خصوصيتها من حيث التفاعل المباشر مع الجمهور، فالإذاعة لها إرث كبير من المحبة بين الناس ولعلها أقرب إلى القلوب بسبب بساطتها وعفويتها كما يعتبر جمهور الإذاعة الراديو جزءاً من يومه في كل صباح أو مساء، فهي أقرب لروتين الحياة، ووسيلة تجدد بها طاقتك وتطلعك على أخر الأخبار وكل جديد من حولك حتى لو كنت متفاعلاً بشكل كبير مع وسائل التواصل الحديثة مثل الـ «سوشيال ميديا»، فالإذاعة تلخص لك كل ما يطرح بطريقة تساعدك على متابعة المجريات من حولك.

  • شمس السعدي

وتابعت: ومؤخراً لمسنا هذا الواقع الجميل في تغطية «مسبار الأمل» حيث ككل وسائل التواصل تم تغطية وبث هذا الإنجاز العظيم بالإذاعة، ومن ثم فتحنا الباب للمستمعين للتعبير عن فرحتهم بهذا الحدث، فانهالت المكالمات من الكبار والصغار والشعراء والشباب كل بعفوية وبأسلوب يعبر عن فرحة صادقة لا يمكن أن تصفها كلمات. ولفتت السعدي إلى أن الإذاعة ستظل هي نبض الناس ومرآة حياتهم، وقالت: إن الإذاعة تحافظ على مكانتها في الوسط الإعلامي، ولا تزال لديها متابعة جماهيرية كبيرة في جميع أنحاء الوطن العربي، ولم تتأثر بال «سوشيال ميديا» أو مواقع التواصل والوسائل الإعلامية الأخرى، حيث طورت من نفسها في الفترة الأخيرة لكي تواكب العصر التكنولوجي الذي نعيش فيه.

بداية البث العالمي
في أحد أيام عام 1916 كان المهندسون في شركة تصنيع في بيتسبرغ في أميركا يجرون تجارب على إرسال صوتي وخطرت لهم فكرة إرسال الموسيقى الصادرة عن أسطوانات الحاكي على التناوب مع الكلام، ولدهشتهم تلقوا طلبات لمزيد من الإرسال الموسيقي من مستمعين هواة غير متوقعين كانوا يستخدمون معدات استقبال منزلية الصنع، وبعد فترة وجيزة بدأ البث المنتظم، وسُجلت المحطة لاحقاً باسم KDKA هذه الأحرف لا مدلول لها وقد اختيرت عشوائياً عام 1920، وكانت أول محطة بث إذاعي، والوحيدة لسنوات كثيرة في العالم، كما بدأ البث الإذاعي مطلع العشرينات من القرن العشرين في الكثير من البلدان، ففي كندا انطلق أول بث نظامي عام 1920، وفي أستراليا افتتحت أول محطة في ملبورن عام 1921، وفي إنجلترا أُحدثت شركة البث البريطانية BBC عام 1922، وفي فرنسا بدأ أول بث منتظم، وكان من برج إيفل في العام نفسه، ومع نهاية عام 1923 كانت قد أسست محطات بث إذاعي في كل من بلجيكا وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا وإسبانيا، ثم في إيطاليا عام 1924، والنرويج وبولونية والمكسيك واليابان عام 1925 والهند عام 1927.

من هو «ماكس ويل»؟
يرجع نشأة الإذاعة في العالم إلى استخدام الموجة القصيرة، لقدرتها على الوصول لمسافات بعيدة، والتي تُعد ثورة علمية كبيرة في مجال الاتصالات، ويرجع اكتشاف الموجة القصيرة إلى عدد من العلماء منهم «ماكس ويل» الذي أثبت وجود الكهرومغناطيسية، أو موجات الراديو عام 1867، و«هنري جاكسون» والإيطالي «جاليليو ماركوني» و«توماس أديسون»، الذين كان لهم فضل على إنتاج أطوال الموجات اللازمة للإرسال من خلال موجة قصيرة، إلا أن «هينرش هرتز» وهو عالم الطبيعة الألماني كان أول من قام بأبحاث الراديو، وأول من أجرى تجارب على الموجة القصيرة، حيث تحقق من أن التيار الكهربائي المتغير يحدث موجات يمكن نقلها عبر الفضاء دون استخدام أسلاك، وبسرعة الضوء، وذلك عام 1888.
ثم بدأت التجارب في بث برامج إذاعية في أميريكا وغيرها من الدول، حتى ظهرت أولى المحطات الإذاعية سنة 1920 في أميركا التي كانت تبث برامج منتظمة تدوم طوال اليوم وتبعتها محطات أخرى في أوروبا والعالم، وكانت أغلب المحطات الإذاعية تابعة لأصحاب المعامل المختصة في صُنع أجهزة الاستقبال، ويرجع الفضل في نشأة الإذاعة في العالم واختراع الراديو، للفيزيائي الإيطالي «جاليليو ماركوني»، الذي حقق للمرة الأولى في تاريخ الاتصالات اللاسلكية بوساطة الموجات الهيرتزية عام 1896 على بعد 400 متراً، ثم تطور لـ 2000 متر، ثم 46 كلم عام 1899، إلى أن حقق انتصاره الأكبر عام 1901 حيث أرسل موجات الراديو عبر المحيط الأطلسي بين نيو فوندلاند وكونوول وتبلغ المسافة بينهما 3200 كلم، وبدأ ماركوني الإرسال الإذاعي من بيته عام 1921، حيث اتفق مع هيئة البريد البريطانية على تشغيل نظام للبث الإذاعي من خلال شركة BBC، وكان أول بث لمحطة ماركوني عبارة عن نقل حفلات موسيقية بلندن.

الإذاعات العربية
كانت مصر والجزائر السباقتان في إنشاء محطات تتوجه لعموم الشعب، حيث عرف المصريون أولى الإذاعات الأهلية بداية عام 1925، بينما عرف الجزائريون أول إذاعة استعمارية ناطقة باللغة العربية خلال العام نفسه، وظهرت في مصر إذاعات «راديو القاهرة»، و«راديو الأميرة فوزية»، و«راديو فؤاد» و«راديو مصر الملكية» و«راديو أبو الهول» و«راديو الجيش» ثم «راديو مصر الجديدة»، وفي سنة 1934 عرفت مصر أول إذاعة حكومية رسمية، لتدشن بذلك مجال الراديو العربي الرسمي في شكل محطة تبث عبر الأمواج الطويلة، وخلال النصف الثاني من عقد الثلاثينيات، بدأت الإذاعات العربية تظهر الواحدة تلو الأخرى، ففي عام 1935 عرفت تونس أول إذاعة لها، تلتها العراق عام 1936 ثم لبنان عام 1937، والسودان 1938، وفي عام 1966 كانت أول محطة إذاعية تبث من الإمارات «إذاعة الشارقة»، وتم تأسيس إذاعة أبوظبي عام 1969، الرائدة ضمن شبكة أبوظبي الإذاعية، أما سلطنة عمان فكانت عام 1970.