علي عبد الرحمن (القاهرة)
جارة القمر.. سفيرتنا إلى النجوم.. شجرة الأرز اللبنانية.. ياسمينة الشام.. ملكة الغناء العربي.. عصفورة الشرق.. جارة القدس.. قيثارة السماء.. الصوت الساحر.. صوت الأوطان.. النغم الحالم، ألقاب وغيرها الكثير للفنانة الكبيرة فيروز، المتفردة التي سطرت خلال مشوارها الممتد على مدار أكثر من 6 عقود حالة غنائية من الصعب تكرارها، ملكة التعبير الدافئ، يمتزج صوتها بالحنين إلى الوطن، وإحساسها بألمه، صاحبة أكبر إرث غنائي في العالم. ولأن الإمارات في وجدان فيروز، فقد زارتها 10 مرات، قدمت خلالها أكثر من 50 حفلاً غنائياً، وكانت دائماً تحرص على مقابلة الجمهور بأغانٍ جديدة. وكان أول ظهور لفيروز في حفل غنائي بدولة الإمارات العربية المتحدة عام 1979 حينما غنت في افتتاح مسرح مركز «إكسبو» بالشارقة، وقدمت 5 حفلات دفعة واحدة، ومن وقتها وهي تحرص على الغناء في الإمارات، وغنت في أبوظبي عام 1985، ولأول مرة في دبي عام 1990. وفي عام 1993 قدمت حفلاً لا ينسى حينما بكت على المسرح في دبي، وهي تغني «بتتلج الدني»، وفي 1997 غنت أشهر أغانيها «سلملي عليك» للمرة الأولى في دبي، وعادت مرات أخرى في الأعوام 2002 و2006 و2008، واختارت الإمارات لتكون المحطة الأخيرة في مشوارها، حيث اختتمته بحفل بالشارقة عام 2008، لتكون الإمارات أكثر دولة خارجية أحيت بها فيروز حفلاتها.
نهاد وديع
ولدت فيروز في 21 نوفمبر 1935، لأسرة فقيرة في أحد الأحياء القريبة من العاصمة اللبنانية بيروت، واسمها الحقيقي نهاد وديع حداد، كان والدها عاملاً في مطبعة لصحيفة «لورجور».
عشقت الموسيقى والغناء من طفولتها، وكانت دائماً تخرج إلى شرفة منزلها للاستماع للأغاني الصادرة من راديو الجيران، وتربت على سماع حفلات أم كلثوم وعبد الوهاب وليلى مراد.
الاكتشاف الفني
يرجع الفضل في اكتشاف صوت فيروز إلى الأخوين فليفل، أثناء بحثهما عن أصوات غنائية بالمدارس لأداء الأغاني الوطنية بالإذاعة اللبنانية، من خلال مسابقة عيد الشجرة، وأعجبا بصوتها، ووافق والدها على الغناء بعد تعهد الأخوين بتحمل المصاريف المالية كافة.
قدمها الأخوان لاختبارات الإذاعة اللبنانية، والتي كانت تضم حليم الرومي، ونقولا المني، وخالد أبو النصر، لتصبح في فريق «الكورال» بالإذاعة، إلى أن قدمها الرومي للمرة الأولى كمطربة، وغنت أغنية لأسمهان «يا ديرتي»، في مارس عام 1950، وهو من أطلق عليها اسم «فيروز»؛ لأنها سريعة في حفظ الكلمات واللحن.
عصبة الخمسة
تيمناً بفرقة «العصبة الخمس الروسية»، والتي كانت تضم كبار الموسيقيين في أواخر القرن التاسع عشر، تكونت مع بداية النهضة الثانية المعاصرة للموسيقى والأغنية العربية، «العصبة الخمسة» في لبنان، وتألفت من الأخوين رحباني عاصي ومنصور، وزكي نصيف وتوفيق الباشا وتوفيق سكر.
بدأ الموسيقيون الكبار إطلاق هذا المسمى عليهم أسوة بعصبة روسيا، وكان اللقب في البداية على سبيل التهكم نظراً لما قدموه وقتها من تطوير في الموسيقى وطريقة الغناء، بعيداً عن الغناء الكلاسيكي، فكانوا يقدمون الأغاني القصيرة وليس طويلة كالمعهود في تِلك الفترة، وفي الوقت نفسه تحمل معاني قوية، بموسيقى تجمع بين الغربي والشرقي ومزجها مع الموسيقى اللبنانية الأصيلة.
الانطلاقة الحقيقية
وكانت الانطلاقة الحقيقية لفيروز حينما قدمت مع الرحابنة والعصبة الخمسة أول عرض مسرحي في انطلاق الليالي اللبنانية الأولى بمهرجان بعلبك الدولي، حيث قدمت فلكلوراً بعنوان «أيام الحصاد»، يومها صدم المخرج صبري الشريف الجمهور صدمة إيجابية، بظهور فيروز على أحد أعمدة القلعة المضيئة باللون الأزرق، وغنت وقتها «لبنان يا أخضر يا حلو»، فكان صدى المشهد صاعقاً لدى الجمهور، وعلا التصفيق من شدة التأثر العاطفي.
بعد عام 1956 حلت العصبة وانفرط العقد بينهم، وانقسمت إلى عصبتين، الأولى كانت مؤسسة الرحابنة مع فيروز، والثانية فرقة الأنوار مع سعيد فريحة وزكي ناصيف وتوفيق الباشا.
الزواج الفني
كان اللقاء الأول بين اثنين من أقوى قصص الحب التي عرفها العرب، فيروز وعاصي الرحباني، في الإذاعة حينما ذهبت فيروز لتسجيل إحدى الأغنيات، والتقت به هناك وكان ملحناً مبتدئاً، وقتها ظل عاصي يستمع لصوتها العذب ووقع في غرامها، وفي اللقاء الثاني طلب رئيس قسم الموسيقى بالإذاعة من عاصي تلحين أغنية لها، ومن هنا بدأت القصة.
توطدت علاقة النجاح الفني، وسرعان ما تحولت إلى علاقة عاطفية من الدرجة الأولى، وجعل منها عاصي أيقونة في الغناء، وأعلنا الزواج عام 1955 وأنجبت منه 4 أبناء زياد وهالي وليال وريما، ولم تنفصل يوماً فيروز عن زوجها لا عاطفياً ولا فنياً، حتى مرض عام 1972 وتوقف عن التلحين.
التحدي الأكبر
كان التحدي الأكبر في مسيرة فيروز الفنية أن تستمر بالغناء بعد الانفصال عن عاصي الرحباني، فقدمت حفلات كبيرة في الولايات المتحدة الأميركية عام 1981، ومن هنا استعادت الثقة، وقدمت 4 أغنيات جديدة مع الملحن اللبناني فيلمون وهبي وحملت الأسطوانة اسم «ورقة الأصفر».
وتحولت مسيرة فيروز بعد تولي ابنها زياد مهمة التلحين وإدارة أعمالها، من الأغاني الكلاسيكية التي اعتادها جمهورها، إلى الجاز الشرقي، وتعرضت لانتقادات عدة، وكان هناك سخط من الجمهور بسبب تقديم هذا اللون الجديد عام 1986 بعد صدور أول أسطوانة مع ابنها بعنوان «معرفتي فيك».
لكن تلاشى السخط بعدما قدم لها زياد أغنية «سألوني الناس» في أسطوانة «كيفك انت» عام 1991، التي حققت نجاحاً كبيراً وكانت علامة في مسيرتها.
الخسارة الفنية
قدمت فيروز خلال 36 عاماً بداية من الانفصال عن زوجها، وحتى اعتزالها عام 2008، حوالي 120 أغنية، بينما قدمت قبل الانفصال خلال 19 سنة فقط 1500 ما بين أغنيات ومسرح غنائي، الأمر الذي يعد خسارة فنية ليس فقط لفيروز وإنما لجمهورها والفن العربي.
أغانٍ لم تر النور
هناك 3 قصائد مع الملحن رياض السنباطي لم ترَ النور، قصيدة «آه لو تدري بحالي»، كلمات عبد الوهاب محمد، وقصيدتان مع جوزيف حرب وهما «أمشي إليك» و«أصابعي».
التصالح النفسي
كانت فيروز دائماً ما تخجل من مقابلة الجمهور في الحفلات والمناسبات العامة، لعدم رضائها عن شكل أنفها، الأمر الذي اضطرها لإجراء عملية تجميل عام 1966، ومن تلك اللحظة وهي في حالة تصالح مع النفس، وبدأت بعدها تقديم الحفلات الغنائية والمسرحيات.
مريت بالشوارع
كانت فيروز دائمة الاهتمام بالحس الوطني ليس فقط اللبناني، إنما تحمل في أعمالها ووجدانها دائماً القضايا العربية، وتميزت بأنها من وحي الموقف، وقدمت ما يقرب من 62 أغنية وطنية منها «راجعون» و«الأرض لكم».
وكانت لأغنية مريت بالشوارع معها قصة بدأت حينما ذهبت للترتيل مع بابا الفاتيكان في 1964 في القدس، حينها أهدت لها إحدى السيدات في فلسطين «مزهرية» من خلال الحاجز، فكان الموقف ملهماً لعاصي الرحباني فكتب «مريت بالشوارع، شوارع القدس العتيقة، قدام الدكاكين، حكينا سوى الخبرية، وعطيوني مزهرية».
3 أفلام
قدمت فيروز 3 أفلام فقط قامت فيها بالتمثيل والغناء، وهي «بياع الخواتم» العام 1955 للمخرج يوسف شاهين، وتعاونت بعدها مع المخرج هنري بركات في «سفر برلك» العام 1966، وفيلمها الأخير «مدينة الحارث» العام 1967.