أحمد القاضي (القاهرة) 

مع اقتراب موسم هطول الأمطار الثلجية في بداية العام الجديد على جبل دير سانت كاترين، بمحافظة جنوب سيناء المصرية، يتطلع محبو المغامرة لصعود الجبل ورؤية شروق الشمس في مشهد خلاب، ووسط هذا المشهد يلفت الانتباه أحد كنوز المعرفة البشرية، مكتبة دير سانت كاترين.
المكتبة شاهدة على التاريخ منذ القرن السادس الميلادي، وهي تختص بحفظ التراث والمخطوطات والوثائق، فصنفت من بين أقدم المكتبات في العالم، وتضاهي أهمية مكتبة الفاتيكان بروما.

تحتوي المكتبة على 6 آلاف كتاب في صفوف وأرفف منظمة، مقسمة حسب النوع الذي تنتمي إليه، وتنتشر في ثلاث قاعات، وبعض هذه الكتب يُعد من المطبوعات الأولى التاريخية، وتخصص المكتبة جزءاً للمراسلات بين رؤساء دير سانت كاترين، وبعض الأباطرة في فترة تأسيس الدير الأولى.
أما المخطوطات اليدوية التي تحويها المكتبة، فعددها يقترب من 4500 مخطوطة، أشهرها مخطوطة تنتمي إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أرسلها إلى رهبان الدير يؤّمنهم على حياتهم ومعتقداتهم، وختم عليها ببصمته الشريفة، وشهد ووقع على المخطوطة النادرة العشرة المبشرون بالجنة، وتعرض في الدير تحت عنوان «مخطوطة العهدة المحمدية» وبالتالي تكون المكتبة نموذج للتسامح عمره أكثر من 1400 عام.
ويوضح خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، أن أنواع المخطوطات النادرة بعضها باللغة العربية، وأخرى بالحبشية، واليونانية والروسية، واللاتينية التي كان يكتب بها الإنجيل، ومن أهم المخطوطات نسخة غير تامة للإنجيل باللغة السريانية تعود إلى القرن الخامس الميلادي.

وفي المكتبة أيضاً نسخة خطية غير تامة من التوراة اليهودية تسمى «كودكس سيناتيكوس»، ولهذا فالمكتبة هي قبلة أتباع جميع الأديان السماوية، ففيها مخطوطات تعود إلى الأنبياء الثلاثة، وأناجيل وكتب مقدسة خاصة بالديانة المسيحية، وتحديداً الطائفة الأرثوذكسية.
يرجع ريحان أهمية مكتبة دير سانت كاترين لكونها تقع داخل الدير الأرثوذكسي التاريخي، الذي ظل يحتفظ بدوره منذ تأسيسه وحتى الآن، والدير في موقع تقدسه الأديان السماوية الثلاثة، حيث كلم الله تعالى موسى عليه السلام، ولهذا يعرف جبل دير سانت كاترين باسم جبل موسى، أو الوادي المقدس.
ولا تختص المكتبة بالجانب الديني فقط، وإنما تضم عقود بيع وشراء جرت منذ قديم الزمان وحتى الآن بين رهبان الدير والقبائل التي كانت تسكن منطقة سانت كاترين بسيناء، فكانت تلك القبائل مسؤولة عن توفير الغذاء لسكان الدير وحمايتهم منذ القرن السادس الميلادي.

وهناك أيضاً بعض المخطوطات الطبية النادرة التي تعود إلى أبقراط المعروف بـ«أبو الطب»، واكتشفها الخبراء الأثريون بعد تعريض بعض المخطوطات للأشعة فوق الحمراء.
لم تكن المكتبة على شكلها الحالي طيلة الوقت، لكنها خضعت للترميم أكثر من مرة حتى تحافظ على تماسك بنائها، وكان آخر هذه الترميمات قبل ثلاث سنوات عند افتتاح الجزء الشرقي من المكتبة.
ويوضح ريحان أن المكتبة دخلت حيز الاهتمام والتوثيق في خمسينيات القرن الماضي، عندما قامت بعثة علمية مشتركة بين كلية الآداب بجامعة الإسكندرية ومكتبة الكونغرس بنقل الوثائق والمخطوطات النادرة لحفظها بطريقة الميكروفيلم، ضمن مشروع علمي، تمهيداً لنقل الخرائط والوثائق إلى أقراص مدمجة لتسهيل تداولها ومطالعتها.
وتستقبل المكتبة المهتمين بالتراث والتاريخ من كل مكان في العالم الذين يستمتعون بالمكان وينهلون من بحر الثقافة وسط ثلوج الشتاء.