ساسي جبيل (تونس)

تضمّ صومعة الجامع الكبير بمدينة تستور من محافظة باجة، شمال غربي العاصمة تونس، ساعة فريدة من نوعها وتعتبر هي الوحيدة في العالم التي تدور عقاربها عكس الساعات العادية، أي أنها تدور من اليمين إلى اليسار، رغم أنها تعتمد ترتيب الأرقام نفسه للساعات المألوفة.
هذه الساعة العجيبة التي تعمل عكس اتّجاه كلّ السّاعات، فسر المؤرخون دورانها العكسي بأن المهندس الذي بناها أراد أن يعطيها طابعاً عربياً، من منطلق أن الطواف حول الكعبة الشريفة يتم من اليمين إلى اليسار، كما أن الكتابة العربية تتم من اليمين إلى اليسار، فيما يرى آخرون أن عقارب الساعة كانت متجهة إلى الأندلس وفي مسار دوران الدم في جسم الإنسان، تعبيراً من المهندس واضع هذه الساعة وهو الأندلسي «محمد تغرينو» على حبه وحنينه إلى بلده الذي هجره قسراً.
كما أكد المؤرخون أن الأندلسيّين الذين استقرّوا في مدينة تستور التونسية، هم من قاموا ببنائها العام 1630 بعد إعداد ترتيبها من قبل المهندس محمد تغرينو.
وبحسب المؤرخين في تونس، فإن ساعة تستور الضخمة العكسية والملتصقة بجدار صومعة الجامع الكبير، تعطلت بعد فترات غير طويلة وأصبحت مجرد ديكور معلق قبل أن تبدأ القصة من جديد من خلال جولة في أرجاء مدينة تستور الأندلسية، كان قد قام بها أستاذ الفيزياء بكلية العلوم في تونس، عبد الحميد الكوندي، «وهو ابن تلك المدينة كما يقول لقبه «آل كوندي»، وهو لقب لنبلاء إسبان من القرون الوسطى»، اكتشف وقتها أن آثار الساعة الأندلسية المعكوسة بدأت تتوارى، بعدما توقفت تلك الساعة عن العمل لمدة تتجاوز ثلاثة قرون، ما جعله يقرر البحث بعمق في مسألة الساعة وإمكانية إعادتها إلى الدوران.
حاول الأستاذ الكوندي ولمدة عام كامل تقصي تاريخ الساعة، قبل أن يتم له بالسماح العام 2015 بالدخول إلى غرفة التحكم في الساعة بأعلى صومعة الجامع ليجد أن آليتها ما تزال محافظة على مكونات الدوران وفق القواعد الفيزيائية التي وضعت بها منذ العام 1630 ميلادي، كما اطلع على الحالة الميكانيكية للساعة الضخمة المعكوسة، وعندها بدأ في عملية الإصلاح وإعادة ترتيب مكوناتها كما كانت، قبل إعلان نجاحه في إعادة الدوران الطبيعي لهذه الساعة بعد توقفها ثلاثة قرون بالتمام والكمال، وقد ساهم في عودة تشغيلها العام 2016 بعد تدخّل سفارتي إسبانيا وألمانيا وجمعيّة صيانة مدينة تستور والسلطات المركزية التونسية التي أوصت وزارتي الثقافة والسياحة بالاهتمام بهذه الساعة الرمز. وفي هذا السياق قال الكوندي، في كتابه «ساعة تستور الأندلسية.. تدور»: «إن سر ساعة تستور ما يزال قابعاً في التاريخ المجهول، ولا أحد يعرف لماذا بنى أندلسيو تونس ساعة بمثل هذه المميزات»، لكنه مقابل ذلك قدم في كتابه ثمانية تفسيرات لبناء الأندلسيين لتلك الساعة، من بينها حنين العودة إلى ماضيهم في الأندلس.