علي عبد الرحمن (القاهرة)

أعضاء فرقة أم كلثوم الموسيقية، كانوا سبباً كبيراً في النجاحات التي حققتها كوكب الشرق على مدار حفلاتها الممتد لأكثر من 40 عاماً، وكانت الفرقة الموسيقية المصاحبة لها تضم أمهر وأهم العازفين في تلك الفترة، وكان من ضمن شروط القبول بالفرقة أن يكون العازف قادراً على قراءة النوتة الموسيقية بالرغم من عدم استخدامها، بجانب أن يكون موهوباً وماهراً بشدة في عزف آلته الموسيقية، لذلك جعلت من فرقتها الموسيقية أيقونات موسيقية خاصة بها تجلت معها آهات الجمهور مع كل جملة لحنية، ما جعل سر قوتها الطربية في أعضاء فرقتها الموسيقية.

محمد عبده صالح.. فارس القانون
يعد واحداً من أشهر عازفي آلة «القانون»، بالوطن العربي، ولد بمحافظة القاهرة عام 1913، تأثره الفني من خلال والده الذي كان تجمعه صداقة بفنان الشعب سيد درويش، وبسن السابعة من عمره صنع لنفسه آلة «قانون» بدائية، لينصحه والده بدراسة الموسيقى، وبعمر الـ 12 من عمره اشترك في أول حفل بنقابة المهن الموسيقية، وقدم مناظرة فنية بينه وبين عازف «القانون»، الأقدم والأشهر بذلك الوقت الراحل محمد سالم، ليحترف العزف على آلة «القانون»، منذ ذلك الوقت، وبدأت مسيرته الفنية بالعمل مع صديق والده الشيخ سيد درويش، مروراً بصالح عبد الحي، والموسيقار محمد عبد الوهاب، والتقى محمد عبده صالح، بالسيدة أم كلثوم في بدايات عام 1926، بمنزل عازف آلة «العود»، الأشهر الراحل السيد أمين الهدي، حيث كانت تغني على التخت الخاص بمحمد العقاد، وبعام 1929، حدث خلاف فني بين أم كلثوم عارف «القانون» إبراهيم العريان»، لتطلب من محمد عبده صالح العمل معها، وكان أول حفل غنائي جمعه معها على مسرح سينما فؤاد، وغنت أم كلثوم 3 أغنيات هي «ليه عزيز دمعي تذله» و«هو ده يخلص من الله» و«آه يا سلام زاد وجدي»، لتبدأ رحلته الفنية مع أم كلثوم عندما وقعت على إحياء حفلاتها مع الإذاعة المصرية بعام 1937، في الخميس الأول من شهر، وأصبح عضواً دائماً في فرقتها الموسيقية حتى وفاته بعام 1970، وفي بداية مشواره مع أم كلثوم كان محمد عبده صالح يحتل المقعد الثاني بفرقتها الموسيقية، حيث كان المقعد الأول لقيادة الفرقة كان للموسيقار وعازف آلة «العود» محمد القصبجي»، وفي أوائل الخمسينيات قاد محمد عبده صالح، فرقة أم كلثوم بعد الخلاف الفني الذي نشب بينها وبين القصبجي على أثر الفشل الجماهيري الذي لحق فيلمها «عايدة»، ليظل قائداً لفرقتها الموسيقية وعازفاً لآلة «القانون» على مدار عقدين متواصلين.

ومن المواقف النادرة بإحدى حفلات أم كلثوم عندما كانت تغني «دليلي احتار»، وهي من كلمات الشاعر أحمد رامي، وألحان رياض السنباطي، بدأ محمد عبده صالح بعزف صولو خاص به وسط اللحن، لينبهر الجمهور من أدائه الموسيقي، ومن شدة إعجاب أم كلثوم من طريقه عزفه مازحته قائلاً «الله يخرب بيتك»، وطلبت منه تكرار الصولو الموسيقي بطريقتها الفكاهية «قول يا اخويا تاني»، وقال عنه منافسه الوحيد على آلة «القانون» أحمد فؤاد حسن، قائد الفرقة الماسية وعازف آلة «القانون» خلف عبد الحليم حافظ، عند وفاته ماتت تقاسيم القانون برحيل محمد عبده صالح».

سيد سالم.. ساحر الناي
المتمرد وعبقري الأداء، ولد بمحافظة أسوان بعام 1920، وحيد أبويه، برز حبه لآلة «الناي»، بعمر العاشرة وصنع لنفسه آلة بدائية من الغاب، وبعمر الـ 12 من عمره انتقل إلى القاهرة، وتعلم الموسيقى بمعهد الموسيقى، عمل مع عدة مطربين في بداية مشواره الفني مثل محمد قنديل، وبديعة مصابني، وجاء أول جمعه بأم كلثوم بعام 1949، عند تسجيل أنشودتها الدينية الشهيرة «ولد الهدي»، وكانت الفرقة بحاجة إلى عازف «ناي»، يعزف صولو في نفس واحد، ورشحه عازف الكمان أحمد الحفناوي لتلك المهمة، ويروي سيد سالم قصه لقائه الأول مع أم كلثوم كان طريفاً للغاية عندما شاهدته للمرة الأولى قالت مازحة للحفناوي من هذا الشخص بواب التخت نظراً لملامحة السمراء وجسده النحيل، وبعد البروفات أعجبت أم كلثوم بأدائه وطلبت منه الانضمام إلى فرقتها ومنذ عام 1950 ظل سيد سالم عضواً بارزاً في فرقتها لمدة 25 عاماً حتى وفاتها.

وللراحل موقفان شهيران في الأوساط الفنية الأولى عندما تمرد على النوتة الموسيقية من خلال العزف المنفرد الخاص به في أغنية «لسة فاكر»، والتي غنتها أم كلثوم على مسرح الأزبكية عام 1960، وأبدع الراحل في عزفه لدرجة أنه أدهش أم كلثوم لتلتف له قائلة «إيه ده»، وينتزع آهات الجمهور مجدداً بإعادته الصولو مرة أخرى، الموقف الثاني عندما تناست أم كلثوم في إحدى حفلاتها كوبيليه من أغنيتها «أنت عمري»، ليذهب إليها ويذكرها بكلماته، وبعد وفاة أم كلثوم اعتزل سيد سالم العزف، وقرر تسجيل أغنياتها على «شريط كاسيت»، بآلة «الناي» فقط، ورحل المبدع عام 1994، تاركاً وراءه إرثاً موسيقياً كبيراً.

إبراهيم عفيفي.. صديق الرق
واحد من رواد العزف على آلة «الرق»، الملقب بالشيطان العجوز بالوسط الفني، وبدأت علاقته مع أم كلثوم منذ بدايتها الفنية، وكان العازف الوحيد الذي تسمح له أم كلثوم بالمزاح معها قائلاً لها «يابت»، لأنه كان شخصية خفيفة الظل، ومن الأوائل الذي تنبأ لها بمستقبل فني واعد، وقالت عنه أم كلثوم إنه «بيسترني»، لأنه لديه القدرة على تصحيح أخطائها على المسرح بسرعة بالغة، وظل عضواً ثابتاً بفرقتها حتى وفاته بعام 1960.

حسين معوض.. أستاذ الرق
الأستاذ كما كان ملقباً من أعضاء الفرقة، تولى ضبط الإيقاع لأم كلثوم، خلفاً للراحل إبراهيم عفيفي، ومنذ صغره كان يحلم بالعمل مع كوكب الشرق، وبسبب شغفه الفني تنازل حسين معوض عن عضوية نقابة المحامين من أجل العزف خلف أم كلثوم، والتحق بفرقة أم كلثوم سنة 1963، بعد ترك حسن أنور مقعده الذي استمر 3 سنوات، ليصبح ضابط الإيقاع الوحيد بالفرقة، وظل ملازماً لأم كلثوم لمدة عقد من الزمان حتى آخر حفلاتها، بالإضافة أنه كان المدير الإداري للفرقة الموسيقية طوال تلك الفترة.

أحمد الحفناوي.. إمبراطور الكمان
عازف الإحساس، ولد بمحافظة القاهرة بعام 1916، وتأثر بوالده الذي كان يعمل بائعاً للآلات الموسيقية، ودرس الموسيقى منذ صغره، والتحق بمعهد فؤاد للموسيقى عام 1932، والذي أصبح فيما بعد المعهد العالي للموسيقى، وتتلمذ على يد الموسيقار الإيطالي «داجوليو»، والتقى أحمد الحفناوي أم كلثوم من خلال بروفات فيلمها «وداد»، بعام 1936، وسجل معاها ألحان الفيلم، لتعجب به وتطلب منه الانضمام إلى فرقتها بقيادة محمد القصبجي، واستمر الحفناوي بمسيرته الفنية مع أم كلثوم منذ بداية أولى حفلاتها بالإذاعة المصرية بعام 1937، كعازف لي آلة «الكمان» الأول، حتى آخر حفلاتها الغنائية في الـ 17 من نوفمبر بعام 1972، ورحل المبدع عن عالمنا عام 1990.

عباس فؤاد.. آلة الكونترباص
العظمة، هو واحد من رواد العزف على آلة «الكونترباص»، ولد بمنطقة الحلمية بعام 1941، وجمعه اللقاء الأول بأم كلثوم من خلال أغنية «أنت عمري»، والتي قدمتها عام 1964، ويروي عباس لقب «عظمة»، الذي لازمه طوال مشواره الفني، وكان ذلك أثناء العزف المنفرد كان الموسيقار محمد عبدالوهاب يقف خلف كواليس المسرح وأخذ يشجعه قائلاً: «عظمة على عظمة»، فسمعه شخص من الجمهور وردد هذه العبارة بصوت عالٍ، وبعد الحفل سألته أم كلثوم «هو عبدالوهاب كان بيقول عظمة على عظمة لمين.. ليك ولا ليا فأجابتها قائلاً: ليكي طبعاً يا ست فردت مازحة «يا كداب»، واستمر عباس عضواً في فرقتها حتى وفاة أم كلثوم».

فاروق سلامة.. رائد الأكورديون
واحد من رواد العزف على آلة «الأكورديون»، ولد بمحافظة القاهرة عام 1935، وبدأ مشواره الفني مع الموسيقار محمد عبد الوهاب عازفاً معه، وهو أول من أدخل الربع تون الشرقي على آلة الأكورديون، واشتهر بعزفه المنفرد لألحان بليغ حمدي بأغاني أم كلثوم، وبعمر الـ 23 بدأ مشواره الفني مع أم كلثوم في أغنية سيرة الحب ويقول فاروق أن لقائي الأول مع كوكب الشرق انتظرته لمده 6 أشهر كاملة، وكان اللقاء درامياً، حيث قالت لي «سمعنا يا فاروق ده بليغ قالب دماغنا بيك»، وبالفعل قدمت العديد من الألحان التي أجيدها لينتهي الأمر بي عضواً في فرقتها لمدة 11 عاماً، قدم معاها خلال تلك الفترة حتى رحيلها 12 أغنية منها «سيرة الحب»، وألف ليلة وليلة».

محمد القصبجي.. ملك العود
محمد القصبجي ملك العود وزعيم التجديد الموسيقي مثلما يلقب بالوسط الموسيقي، ولد بمحافظة القاهرة 1892، ثأثره الفني من خلال الموسيقار أحمد القصبجي، الذي كان مدرساً لآلة العود وملحناً، وقدم القصبجي أول ألحانه بأغنية ماليش في القلب غيرك»، للمطرب زكي مراد، والد الفنانة ليلى مراد، وبدأت مسيرته الفنية في التلحين، وكان اللقاء الأول الذي جمعه مع أم كلثوم بعام 1923، وأعجب بصوتها وأدائها في غناء التواشيح الدينية، ليقدم لها أول ألحانه من خلال طقطوقة «قال إيه حلف ما يكلمنيش»، بعام 1924، لتبدأ رحلة الثنائي الفني على مدار عقدين قدم خلالها 72 أغنية جميعها من كلمات أحمد رامي عدا 5 أغنيات من كلمات شعراء آخرين، وتوقفت أم كلثوم عن الغناء من ألحانه بعد فيلم «فاطمة» بعام 1948، وترأس فرقتها الموسيقية حتى أوائل الخمسينيات، ليحل محله عازف «القانون»، محمد عبده صالح، ولكنه ظل عازفاً موسيقياً لها حتى وفاته بعام 1966، وظلت أم كلثوم محتفظة بمقعده خالياً خلفها على المسرح تقديراً لمشواره معها.