رغم أن كثيراً من الناس يسعون للشعور بالسعادة باعتبارها هدفاً، قد يخشى بعض الناس الاقتراب منها.. ويعتبرون المشاعر الإيجابية شيئاً سيئاً، بل مخيفاً، يتجنبون إثارته ويبتعدون عنه قدر استطاعتهم.
فلماذا يفكر بعض الناس على هذا النحو؟ وما تداعيات هذا على صحتهم النفسية؟
أسباب تتنوع الدوافع النفسية للخوف من السعادة وتختلف من شخص لآخر.. فهناك أشخاص تعرضوا لصدمة ما في الماضي، كفقدان شخص يحبونه مثلاً، فيحدث ارتباط لا واعٍ بين مشاعر الحب هذه ومشاعر الفقدان، فيتجنب الإنسان الوقوع في الحب مجدداً، خوفاً من تكرار الألم الذي لحقه في الماضي.. وقد يتفاقم ذلك لتجنب كل مصادر الفرح والسرور لدرجة مرضية، أو ما يسمى رهاب السعادة «شيرفوبيا»، والذي يصنفه الباحثون كنوع من اضطرابات القلق. وهناك أسباب أخرى تتعلق بالثقافة.. ففي دراسة عالمية شملت أفراداً من 14 دولة، وجد الباحث محسن جوشانلو من جامعة فيكتوريا بنيوزلندا، وزملاؤه، أن العامل الثقافي له دور في الموضوع... ففي هذه الدراسة المنشورة في «جورنال أوف كروس- كالتشرال سايكولوجي» وجدوا أن هناك ثقافات قد تثير في أفرادها الخوف والنفور من السعادة، ثقافات تثير الشعور بالتوجس والحذر من الإفراط في السعادة، وثقافات أخرى تشجع على السعادة وتحض عليها. وقد يكون من الأسباب أيضاً، كون الإنسان انطوائياً، ينفر من التجمعات ومظاهر البهجة الاجتماعية، فيعتاد الابتعاد عن المشاعر المصاحبة للاحتفالات مثلاً.. أو كون الشخص مدمن عمل، لا مكان في حياته للرفاهية، إذ يعتبرها تكاسلاً وابتعاداً عن مهامه في الحياة.
نتائج في دراسة أميركية نشرت مؤخراً في دورية «جورنال أوف كلينيكال سايكولوجي»، وجد الدكتور جايج جوردان وزملاؤه أن الأشخاص الذين لديهم زيادة في الخوف من السعادة، تزيد لديهم أعراض الاكتئاب ويكونون أكثر عرضة للإصابة به.. وهي نتيجة لا تبدو غريبة، لأن الخوف من شيء يدعو المرء لتجنبه!
هل تخاف السعادة؟ يتجنب الخائفون من السعادة الذهاب للأماكن المبهجة، أو قضاء وقت في ممارسة شيء ممتع، أو التخطيط للترويح عن النفس والتسرية عنها بما تحبه.. فماذا عنك عزيزي القارئ؟ هل تخاف السعادة، أم تعتبرها هدفاً طبيعياً ومقبولاً من أهداف الحياة؟ يرى الباحثون «في الدراسة العالمية المذكورة سابقاً» أن الأشخاص الذين لديهم قدر كبير من الخوف من السعادة يوافقون بشكل كبير على عبارات مثل هذه «عند التقييم من 1 إلى 7 حسب درجة الاتفاق»:
* - أن تكون سعيداً، يعني أن شيئاً سيئاً سوف يحدث. * - السعادة تجعلك شخصاً سيئاً. * - لا يليق بك أن تظهر سعادتك. * - إظهار أنك سعيد أمر سيئ لك أو لأصدقائك وعائلتك. * - محاولة أن تكون سعيداً هي مضيعة للوقت والجهد. * - أفضل ألا أكون فرحاً جداً، لأن الفرح عادة ما يتبعه الحزن. * - غالباً ما يأتي الحظ السعيد وتليه مصيبة. * - الفرح المفرط له بعض العواقب السيئة. عزيزي القارئ.. أياً كانت المسافة التي تضعها بينك وبين السعادة، ضع في بالك دائماً أنها أمر ضروري لصحتك النفسية.. فحاول الاقتراب منها، ولا تخف!