محمد نجيم
اعتمدت «اليونسكو» عام 2025، عاماً للاحتفال بالذكرى المائة لمولد الشاعر الإماراتي سلطان بن علي العويس، المولود عام 1925، وحسب ما أشارت إليه «وام» فإن ذلك جاء في أعقاب اطلاعها على ملف الشاعر الراحل الذي طرحته اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم، في الدورة الـ 42 للمؤتمر العام لـ«اليونسكو»، وقد تعززت المكتبة العربية، مؤخراً بكتاب «سلطان بن علي العويس في المنجز الثقافي»، وهو من إعداد وتنسيق الدكتور والأكاديمي المغربي عبد الله بنصر العلوي، وصادر عن مجموعة البحث في الإبداع والدراسات المغربية الإماراتية.
يضم الكتاب، الذي جاء في حلة فاخرة وورق صقيل، مقالات ومحاضرات لعدد من كتّاب المغرب، منهم الدكتور أحمد العراقي، الذي وصف في مقالته «الوجدان قيمة إنسانية في شعر سلطان العويس»، تجربة الشاعر سلطان بن علي العويس الإبداعية، بكونها تتميز بطابعها الوجداني الذي لم تخرج عنه في كل ما استهدفت تناوله من موضوعات. على أن هذه الموضوعات لم تعرف عنده تنوعاً كبيراً، إذ تأتي ضمنها أشعار في أغراض وطنية وقومية، ويغلب عليها بعد ذلك الغزل، ويقول «لقد كان قيام دولة الاتحاد بين الإمارات العربية في مستهل العقد السابع من القرن العشرين حدثاً متميّزاً وعظيماً في نفوس الذين عاصروه، وشهدوا ما كانت عليه حال بلادهم وأهلها قبله، وما صارت إليه من تطورات في مختلف المجالات سواء الاقتصادية أم الاجتماعية أم السياسية أم الثقافية، حققت به نقلات كبيرة شملت مناحي الحياة كافة، وأسهمت في بناء اسم دولتهم الفتية داخلياً وخارجياً، وفي تحقيق البنية الأساس لمجتمعهم».
ويضيف: «ليس من شك أنه تحت تأثير هذا الحدث الكبير تحرك في عمق النفوس وعي بالانتماء لهذا الوطن والإيمان به ومباركة كل ما يؤدي إلى بناء صرحه، والخوف عليه من العوادي، ومن خلال ذلك بحث عن الذات ومصيرها في علائقها مع ما يشهده من تطورات وإنّ الشعر ليتصدر غيره مما يتوسل به إلى التعبير عن مثل هذا الوعي، وإلى تغذيته ورفده، ونشر مفاهيمه وتقوية مرتكزاته ليس من قبيل الصدفة إذن أن يحمل سلطان العويس شعره، وهو ممن شهدوا حدث قيام دولة الاتحاد، نفساً وطنياً يشى بما كان يعمر أرجاء نفسه الشاعرة من عاطفة وطنية عميقة هادئة تخرج منسابة كلما عرضت مناسبة من المناسبات الوطنية، لا تراه أبداً يتصنع لها، بل يؤديها في سهولة وبساطة نجدها سمة غالبة على أدائه الفني في جميع إبداعه الشعري لعلها أن تكون سراً لجماليته. وكان الراحل لا يفتأ في المناسبات العارضة يثمن قيام الاتحاد بين الإمارات، ويرى فيه خيراً لها جميع».
وقد استشهد الباحث الدكتور أحمد العراقي بعدد من قصائد الشاعر ختم بها مقالته، كما لم يفته أن يذكر القارئ أن الشاعر سلطان بن علي العويس لم يكن شاعر وطنيات وقوميات فحسب، ولكنه كان قبل ذلك وبعده شاعر غزل، هيمن موضوع الحب على وجدانه حتى صار مكوناً أساساً له، فمن خلال الحب استغور أعماق ذاته الشاعرة، ومن خلاله أطلت هذه الذات على ما حولها، ولونته بألوانه حتى أضحى لا يجد نعيماً أكبر منه في الحياة تصير به الصحراء المجدبة جنّة، ولا يغيب على من وقف على إبداعات سلطان في مكونات مضامينها وما يكتنفها، وفي عناصر أدائها الفني، تأثره الواضح بالشاعر السوري نزار قباني، ومن خلاله بمن تأثر بهم من العرب أمثال عمر بن أبي ربيعة من الأقدمين وإلياس أبي شبكة من المحدثين ومن الغربيين أمثال بودلير وفرلين ورامبو».
أما الدكتور والشاعر المغربي أحمد مفدي، فوصف الشاعر سلطان بن علي العويس في مقالته «البعد القومي في شعر سلطان العويس» بقوله «إنه شاعر الحب والجمال.. شاعر ينتقل بالشعر إلى مدارج الصفوة انعتاقاً من كآبة اللحظة، وانتحاء توهجات النفس وإشراقات الروح.. يحاول في يسر وشفوفية اكتشاف الذات، وما يغمر دهاليزها. يقف منبهراً من الغموض المداهم لبوابات الوجود، وسراديبه الكئيبة، غموض الحب، أو اللاحب غموض أن نكون أو لا نكون، ولكن الحب ينتصر عند الشاعر مبدداً غشاوة الانبهار. مندفعاً بثقة وتؤدة، لخلق تجربة شعرية ذاتية تفصح عما توارى من اللحظة خلف الانشغالات اليومية والتواءات الذات الجامحة والمتحركة في اتجاهات المادي والروحي».
ويضيف: «إن الزمان الذي أخصب تجربة الشاعر العويس، وأثمر فيه شعره. قصائد وجدانية كان زمان صراع القومية والتحرر من الاستلاب والهيمنة، فهل انشغال شاعرنا بالحب والجمال، ثناه عن الاهتمام بقضايا أمته ومعاناتها، أم أنه كان يلتمس أسلوباً جديداً، ينخرط به في صيرورة النضال القومي؟ إنه شاعر يهيم بين المدن عبر القارات، تستهويه مشاهد كونية، فيجول بين مواطنها، تتخطفه ظلال الغيبي، وإشراقات المرئي فتلح عليه حاجته إلى الدفء، لينحاش إلى الذات، لعلها تسعفه بما ينزاح به عن ترع المتاه، صوت كالألف، صارخ في أقاصي التيه، ليجد نفسه يحدو راحلته بماء صفا وترقرق من نغم عربي أصيل، يعبق بالنفحة العذرية، إذ يتلمس عند القدماء أسلوباً فيه خصب ورونق، يوحد الوجدان، ويعمق الإحساس بالوجود ويستبطن الإيقاع المنسرب بين حناياه لتعانق الحياة وجودها رغم ما يعتريها من شفاء وعناء، وصراع أبدي... وكأن الشاعر يغترف من الفلسفة الوجودية همومه وانحباس شعره أحياناً».