أحمد عاطف (القاهرة)

حالة من التعايش مع المادة الصامتة، تجسدها منحوتات التشكيلي محمد أبو المجد في معرضه «حصاد السنين» المقام بالقاهرة، ويقدم خلاله مجموعة متميزة من أعماله النحتية التي تعكس رحلته الفنية، وتمثل مجموعته خلاصة تجاربه في استكشاف الكتل الصامتة، وتحويلها إلى قصائد مجسدة تعبر عن الطبيعة، البشر، والفلسفة، وتمنح تأملات بصرية على خامات صلبة مثل الجرانيت والبازلت.
تأثر أبو المجد بالتشكيلي عصمت داوستاشي أحد أبرز الأسماء في فنون ما بعد الحداثة المصرية، ونهجه الذي يتجاوز المحاكاة والتقليد الأكاديمي، مؤمناً بدور الفن في التعبير عن الواقع من خلال تركيبات بصرية تناغمية ومركبة.
يصف أبو المجد علاقته بحجر البازلت على أنها حالة من التعايش، حيث يتحاور مع المادة الصامتة لاكتشاف ما تحمله من رؤى، فالحجر يفرض عليه أن يستخرج ما يراه بداخله، «قد تكون امرأة، أو طائراً، أو مجرد خطوط هندسية».
ويقول أبو المجد لـ «الاتحاد»: «كثير من الأحجار تعطيني أفكاراً جديدة لم تكن في مخيلتي، فعندما انطلق في تنفيذ المنحوتة يأخذني الحجر في حالة من التخيل يعقبها استخراج المنتج منه، وبعض الأحجار تلهمني أفكاراً جديدة لعمل تمثال برؤية جديدة لم تكن في مُخيلتي، فالحجر هو من يلهم الفنان وليس العكس، ربما لهذا أعشق العمل مع البازلت».
ويغلب طابع المرأة على أعمال أبو المجد، ويفسّر ذلك بأن الطابع الأنثوي يمنح لمسة جمالية تندمج مع قساوة الحجر ليصنع انسجاماً فريداً، كما تجسد بعض أعماله البيئة المحيطة مثل الأسماك، حيث يعيش في منطقة ساحلية، وبعض الحيوانات التي تأثر بها في الحياة اليومية، وتجارب العمل الهندسي التجريدي.
أعمال متنوعة
تتنوع قطع المجموعة، منها تمثال يجسد وجه إنسان تتداخل فيه عناصر هندسية، بخطوط مموجة على جانبيه تخلق إحساساً بالحركة، كأنها تحاكي الرياح أو أمواج البحر، ورغم ديناميكية الخطوط، فإن الوجه يظل ساكناً، ما يعكس حالة من التوازن بين الغموض والهدوء الداخلي.
وعمل آخر يشبه طائراً يعتمد تصميمه على التناقض بين الأسطح الناعمة والنقوش الخشنة، مما يبرز فكرة التوازن بين الطبيعة والصناعة، كما تمنح الانسيابية في الشكل العمل روحاً تأملية وكأن الطائر متجمد في لحظة طيران أزلية. وهناك بومة بملامح حادة وأجنحة منحوتة بعناية، تجسد صراعاً داخلياً بين العقلانية والغموض، ويعكس الوجه البسيط والقاعدة الحجرية غير المصقولة الإحساس بالارتباط بالطبيعة، بينما النظرة الحادة تنقل إحساساً بالعمق الفلسفي.