أبوظبي (الاتحاد)
يشكّل متحف زايد الوطني مورداً تعليمياً غنياً يُسهم في إثراء ثقافة ومعرفة الأجيال الجديدة، وسجلاً حافلاً بالتراث المادي والثقافي والمعنوي، ومع اكتمال تشييده وافتتاحه العام المقبل، سيعمل المتحف على توثيق التراث والتاريخ العريق لدولة الإمارات العربية المتحدة، محتفياً بالثقافة الغنيّة وقصص شعبها من عصور ما قبل التاريخ حتى يومنا الحاضر.
يروي المتحف قصة الوالد المؤسس، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، الذي لا يزال إرثه وتوجيهاته تلهم الأمّة وشعبها حتى اليوم. ويسلّط الضوء على أبرز محطات قيام دولة الإمارات. وقال معالي محمد خليفة المُبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي: «شكّل إرث المغفور له الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» هويتنا الوطنية، واستلهمنا من رؤيته الحكيمة وقيمه جهودنا الرامية إلى صون التراث الإماراتي وتعزيز حضوره لضمان الحفاظ عليه واستدامته للأجيال القادمة. وتُجسّدُ المنطقة الثقافية في السعديات التزام أبوظبي بالحفاظ على تراثها الخاص وموروث الإنسانية جمعاء معاً، وتعكس تبني الإمارة رؤيةً تقودنا إلى المستقبل المشرق، حيث ستلعب المنطقة دوراً مؤثراً عبر الأجيال برسالة التنوع الثقافي وتعزّزها وتحتفل بخصائصها المشتركة، استمراراً لدور أبوظبي التاريخي كملتقى للحضارات».
هندسة فريدة
تتميّز اللمسات الهندسية الفريدة للمتحف الذي يمكن رؤيته من بعيد، بخمسة هياكل فولاذية شاهقة على شكل جناح الصقر وهو يطير. وتقول موزة القمزي، رئيسة وحدة التصميم والتطوير في دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي: «يستخدم تصميم المتحف تقنيات استدامة مختلفة، ومن أهمها الهياكل الفولاذية الخمسة التي تعمل كأبراجٍ حرارية لسحب الهواء الساخن من خلال كسوة الهياكل الزجاجية، وفي الطقس المثالي يتمّ فتح الألواح الزجاجية تلقائياً، لتعمل بنفس مبادئ برج الرياح التقليدي (البرجيل) لتدوير الهواء في المبنى».
وعن ميزات المتحف الإضافية التي توفّر استهلاك الطاقة، تضيف القمزي: «يقع متحف زايد الوطني في تلّة يمكن المشي فيها، حيث تعكس تضاريس دولة الإمارات. ويستفيد المتحف من الخصائص الحراريّة للأرض، بالإضافة للهواء النّقي الذي يتمّ تبريده مسبقاً من خلال أنابيب تحت الأرض».
تجربة تفاعلية
يضمّ متحف زايد الوطني ست قاعات عرض دائمة تسلّط الضوء على التاريخ البشري والمناظر الطبيعية واللغات وثقافة دولة الإمارات من عصور ما قبل التاريخ إلى الوقت الحاضر، مقدمةً للزوار تجربة تفاعلية وديناميكية. أولى صالات العرض «بداياتنا» التي تُطلعنا على المزيد حول حياة مؤسس دولة الإمارات، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من خلال سرد قصص مؤثّرة تعكس إرثه وقيمه الراسخة، بالإضافة إلى صالات العرض الأخرى وهي: «عبر طبيعتنا»، «إلى أسلافنا»، «ضمن روابطنا»، «في سواحلنا»، و«من جذورنا»، والتي تستعرض تاريخ دولة الإمارات والتضاريس الطبيعية المتنوعة في الدولة وتأثيرها التاريخي على طبيعة الحياة فيها، إلى جانب النشاط البشري في المنطقة الذي يعود تاريخه إلى 300 ألف سنة، وحركة التجارة المبكرة مع المجتمعات الأخرى في منطقة الخليج العربي، مروراً بالآفاق الواسعة التي تمتّع بها شعب الإمارات قديماً والأثر الذي تركته ابتكاراته والمواد والمعارف، والتي بلغت أوجّها مع تطوّر اللغة العربية وانتشار الإسلام، وغيرها الكثير من المراحل التي توثّق التاريخ الغني لدولة الإمارات بطرق مبتكرة وشاملة. وتُعتبر «حديقة المسار» في المتحف بمثابة معرضٍ في الهواء الطلق، وتروي قصّة المغفور له الشيخ زايد مع الطبيعة والمناظر الطبيعية التي ألهمته. تنقسم الحديقة إلى ثلاث مناطق هي: الصحراء، الواحة، المنطقة الحضارية، وهي مصممة لتكون مساحة هادئة يستمتع بها الزوار في رحلتهم الفنيّة.
كنوز أثرية
تضمّ مجموعة المتحف قطعاً فنيّة وأثرية من مصادر محليّة ودوليّة، وتبرّعات من المجتمعات المحليّة، بالإضافة لاستعارة مجموعات من المتاحف الإماراتية وجامعي القطع، واستعاراتٍ دولية من مؤسسات عامة. تسلّط هذه الكنوز الضوء على تاريخ وثقافات الإمارات ونطاق المنطقة الأوسع، موضحةً التفاعلات والتبادلات التي أثرت على كلٍّ منها عبر التاريخ.
من أبرز هذه المقتنيات «قارب ماجان»، من العصر البرونزي الذي يعود تاريخه إلى 2100 سنة قبل الميلاد، وقد أعاد متحف زايد الوطني بالتعاون مع جامعة زايد وجامعة نيويورك أبوظبي، إحياء «قارب ماجان»، بهدف تسليط الضوء على التراث البحري لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتجارة العصر البرونزي.
وعمل صانعو السفن المتخصصون في النسخ التاريخية مع مجموعة الباحثين، لإنجاز بناء القارب باستخدام مواد خام وأدوات يدوية تقليدية، ونجح القارب عام 2024 في الإبحار على طول ساحل أبوظبي. وبُني القارب الذي كان يُطلق عليه في العصور القديمة «قارب ماجان» من مواد خام وُضعت على لوح صلصال قديم باستخدام تقنيات قديمة.
بدوره، كمؤسسة ثقافية تسعى لترسيخ المعرفة وتعزيز التّفاعل المجتمعيّ الشامل، يستند متحف زايد الوطني إلى الدور المحوري الذي تلعبه دولة الإمارات كمنصّة عالمية للتلاقي ومركز نابض بالحياة لتبادل الأفكار.