أبوظبي- (وكالات) الشعاب المرجانية تعتبر ملاذاً آمناً للكائنات البحرية توفر الغذاء والحماية لها ولصغارها، كما تعتبر رافداً مهماً لدعم المخزون السمكي، فضلاً عن دورها المهم في حماية الشواطئ من التآكل ودعم مهنة الصيد التجاري والعديد من الأنشطة الترفيهية والسياحية الجاذبة للغواصين الباحثين عن المناظر البحرية الساحرة.
ولا شك في أن تداعيات التغير المناخي قد أثرت بشكل كبير على نمو وتكاثر الشعاب المرجانية، كما تأثرت أيضاً ببعض الممارسات والنشاطات البشرية الجائرة، التي تهدد هذا المخزون البحري الاستراتيجي.
لماذا يتحوّل لون الشعاب إلى الأبيض؟
ظاهرة "الابيضاض»، أو تحوّل لون الشعاب إلى الأبيض، تحدث نتيجة طرد الطحالب المجهرية النابضة بالحياة التي تعيش في أنسجتها بسبب ارتفاع درجات الحرارة بسبب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
اقرأ أيضاً...أصوات الشعاب المرجانية.. سيمفونية الحياة في الأعماق
وعندما ترتفع درجة الحرارة، يمتص المحيط المزيد من غاز ثاني أكسيد الكربون الذي ينتج حمض الكربونيك، لذلك لا ترتفع درجة الحرارة فحسب، بل تتغير نسبة الحموضة أيضاً.وعندما تصبح (المياه) أكثر حموضة، يصبح الأمر صعباً جداً على الحيوانات القشرية.
وابيضاض الشعاب المرجانية علامة من الشعاب المرجانية في الاستجابة للإجهاد، والتي يمكن أن تحدثها أي زيادة، أو انخفاض في درجة حرارة المياه أو زيادة الإشعاع الشمسي والتغيرات في كيمياء المياه.
وعندما تكون درجات حرارة المياه مرتفعة للغاية، كما الحال أثناء موجات الحر التي طالت البحار من فلوريدا إلى أستراليا خلال العام الماضي، تعاني الشعاب المرجانية من الإجهاد الحراري.
ويدفع ذلك بها إلى التخلص من طحالب "الحُيَيْوَنَات الصفراء" (Zooxanthellae)، وهي طحالب تعيش مع الشعاب المرجانية وتزودها بالعناصر الغذائية التي تحتاج إليها. وفي غياب هذه الطحالب، يفقد المرجان لونه وغذاءه.
ويمكن أن تتسبب النوبات الشديدة والطويلة والمتكررة من هذا النوع في موت المرجان، ولكن يمكن للشعاب المرجانية أن تتعافى إذا انخفضت درجات الحرارة أو حصل تحسن في عوامل أخرى مثل التلوث أو الصيد الجائر.
وخسارة الشعاب المرجانية حول العالم ستكون لها عواقب وخيمة ليس فقط على الحياة البحرية، ولكن أيضاً على أكثر من مليار شخص على مستوى العالم يستفيدون منها بشكل مباشر أو غير مباشر.
أكبر عملية ابيضاض تم تسجيلها على الإطلاق
حذرت وكالة حكومية أميركية، من أن الشعاب المرجانية تشهد حاليا أكبر حلقة ابيضاض شهدها العالم على الإطلاق بسبب ارتفاع درجات حرارة المحيطات.
ويتأثر أكثر من ثلثي الشعاب المرجانية في المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ والمحيط الهندي بالإجهاد الحراري، وهي ظاهرة مرتبطة بتغير المناخ تهدد بقاء مناطق الشعاب المرجانية الغنية بالتنوع البيولوجي.
وقال منسق برنامج المرجان في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) ديريك مانزيلو إن "الكوكب حاليا يشهد أكبر عملية ابيضاض تم تسجيلها على الإطلاق". وهذه الحلقة التي لا تزال مستمرة هي الرابعة منذ عام 1998.
وأضاف مانزيلو في رسالة عبر البريد الإلكتروني "بين الأول من يناير 2023 والعاشر من أكتوبر 2024، واجه ما يقرب من 77% من الشعاب المرجانية في العالم إجهادا حراريا بمستويات تتوافق مع تلك المرتبطة بالابيضاض"، "وهذه النسبة لا تزال في ازدياد".
"نصف الوقت"
وبعد حلقتين في عامي 1998 و2010، سُجّل الرقم القياسي السابق بين عامي 2014 و2017، حين طال الابيضاض 65,7% من الشعاب المرجانية في العالم.
وبذلك، "تجاوزنا الرقم القياسي السابق بنسبة 11,3% في نصف الوقت".
حصلت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي على تقارير مؤكدة عن حالات الابيضاض في 74 دولة أو إقليم في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي.
أعلنت أستراليا في أبريل الماضي أن الحاجز المرجاني العظيم الشهير شهد أسوأ موجة ابيضاض على الإطلاق، وأن أكثر من 70% من شعابه المرجانية تضررت.
أهمية الشعاب المرجانية
يعتمد حوالى 850 مليون شخص في جميع أنحاء العالم على الشعاب المرجانية في العمل والغذاء. كما توفر الشعاب المرجانية، التي تشكّل موطنا لأنظمة بيئية غنية ومتنوعة جدا، حماية للسواحل من العواصف والتآكل، وفق منظمة "الصندوق العالمي للطبيعة" WWF غير الحكومية المدافعة عن البيئة.
وسجل معدل ارتفاع درجة حرارة المحيطات زيادة ناهزت الضعف منذ عام 2005، وفق تقرير صادر عن مرصد "كوبرنيكوس" الأوروبي نُشر في نهاية سبتمبر.
وتترافق هذه الظاهرة مع زيادة في موجات الحر البحرية. وبذلك، شهدت 22% من محيطات العالم موجة حر شديدة أو قصوى واحدة على الأقل في عام 2023.
ويعزى هذا الاحترار إلى أنه منذ عام 1970، امتصت المحيطات "أكثر من 90% من الحرارة الزائدة للنظام المناخي"، الناجمة عن الانبعاثات البشرية الهائلة من غازات الدفيئة، وفق الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. تعتمد دراسات NOAA على قياسات بالأقمار الاصطناعية أجريت منذ عام 1985.
وأعلنت الوكالة عن أحدث حلقة ابيضاض عالمية في أبريل. وقال بيبي كلارك من "الصندوق العالمي للطبيعة" حينها "إن حجم ابيضاض المرجان الجماعي وشدته يظهران بوضوح الضرر الناجم عن تغير المناخ".
ويعتمد خبراء البحار على مقياس التنبيه الصادر عن «الإدارة الوطنية لعلوم المحيطات والغلاف الجوي» الأميركية، للإشارة إلى مدى الخطر الذي تسببه حرارة مياه المحيطات على الشعاب المرجانية، ولتحديد درجة خطر الابيضاض الذي تتعرض له هذه الشعب.
وتشكل ظاهرة ابيضاض المرجان تهديداً جدياً لصحة اللافقاريات الحية التي تعيش هناك، وتطلع بأدوار حاسمة في النظم البيئية المحيطية، لكن مع ارتفاع درجة حرارة محيطات الأرض، فإن العديد من الشعاب المرجانية أصبحت معرّضة لخطر الابيضاض والموت.
الشعاب المرجانية من أغنى النظم البيئية في العالم، وتعتبر البيئات الحيوية للعديد من الأنواع ضامنة للتنوع البيولوجي ولكنها تتأثر بدرجة كبيرة بالتغيرات البيئية.وحماية شبكات الشعاب المرجانية المتنوعة، تساعد في ضمان أكبر فرصة للتنوع الجيني.
الشعاب المرجانية هي أجزاء أساسية من النظام البيئي البحري الذي يعتمد عليه الكثيرون حول العالم. والحفاظ عليها ليس مجرد خيار، بل ضرورة للحفاظ على التوازن البيئي وصحة المحيطات.