علي عبد الرحمن 
النهايات المفتوحة للأعمال الفنية، من الأساليب السينمائية التي تحرك خيال المشاهدين وتورطهم في التفاعل مع العرض وتخمين النهايات التي تركها المخرج أمام احتمالات عدة، كما تفتح أمامهم أبواب التأمل العميق، وتحول الفيلم إلى تجربة ملغزة تثير النفس البشرية، وأداة تعبير عن أسئلة فلسفية تتعلق بالوجود والحقيقة والمعرفة، وتعكس الصراعات الداخلية التي تجسد التوترات الاجتماعية والثقافية.  
ومن خلال مشاهد غير مكتملة وتفسيرات مفتوحة، يخوض الجمهور تجربة محفزة على التفكير في معاني الحياة واختيارات الإنسان، وحدث ذلك كثيراً في الأعمال العربية، وكان للروايات المأخوذة عن أعمال لإحسان عبدالقدوس نصيب الأسد منها.

الصراع الداخلي 
في أحد أزقة القاهرة القديمة، تعيش «آمنة»، (فاتن حمامة) حياة مليئة بالمعاناة بعد أن فقدت شقيقتها «هنادي» بطريقة مأساوية، في فيلم «دعاء الكروان» 1959، الذي أخرجه هنري بركات، عن رواية طه حسين. تعيش أحزان فقدان أختها وفشلها في الانتقام، مما يدفعها في النهاية إلى الانتظار للأبد، ويعكس الألم العميق والتمزق الداخلي.
تظهر نهاية الفيلم حالة «آمنة» النفسية كرمز للصراع الداخلي الذي يواجهه الإنسان عند فقدان الأمل والصدمات العاطفية، وكيف يواجه صدماته في عالم خالٍ من الأمل، وتعكس النهاية المفتوحة الألم العميق والتشوش الناتج عن الصدمات النفسية، ما يدفع المشاهد للتفكر في كيفية التعافي من المآسي والعثور على الأمل وسط المحن.
فلسفياً، يطرح الفيلم تساؤلات حول معنى الحياة في ظل المعاناة المستمرة، حيث تجسد النهاية المفتوحة الصراع بين الأمل والواقع المؤلم، ويعكس الفيلم فلسفة الوجود في عالم مليء بالصعوبات، يجذب المشاهدين إلى التفكير في كيفية مواجهة الألم وإيجاد معنى في الحياة رغم الظروف الصعبة، ويتيح المجال لتأملات حول طبيعة الوجود والتجربة الإنسانية.

الاضطراب الشخصي 
في عالم مليء بالقيود الاجتماعية، تقيم أمينة حسين، الفتاة صعبة المراس، مع عمتها وزوج عمتها، تعاني من تسلطهما وتحكمهما في تفاصيل حياتها، مما يجعل حلمها الوحيد هو إتمام دراستها لتنال الحرية التي تشتاق إليها، يتطور وعيها، ويبدأ تشكيل منظورها للعالم، في فيلم «أنا حرة» العام 1959، إخراج صلاح أبو سيف ويستند إلى رواية إحسان عبد القدوس بنفس الاسم، ويتحول صراع أمينة إلى رمز لمواجهة القيود الاجتماعية.
ويظهر البعد الفلسفي في حرية الإرادة في مواجهة الضغوط الاجتماعية، وتبقى مشاعر الإحباط والتشتت التي تعاني منها الشخصية، مما يجعل الجمهور يتعاطف مع معاناتها ويفهم التحديات النفسية التي تواجهها في سعيها لتحقيق الذات.
الأزمات الأسرية 
في مشهد عائلي مشحون بالتوترات والصراعات الداخلية، يعكس فيلم «حتى لا تطفئ الشمس» العام 1961، عن رواية للأديب إحسان عبد القدوس، أزمات الأسرة في ظل التحولات الاجتماعية بإخراج حسن الإمام، يقدم صورة دقيقة عن أسرة تواجه تحديات وضغوطاً نفسية واجتماعية، وتؤدي الأزمات إلى تفكك الروابط أو إعادة بنائها على أسس جديدة.
وتسلط النهاية المفتوحة للفيلم الضوء على التوترات النفسية التي تواجه أفراد الأسرة، مما يعزز من إحساس المشاهدين بالتجربة الإنسانية المعقدة، وتعكس الصراعات الداخلية لكل فرد وكيف يتعامل مع الفقدان والتحديات، مما يطرح تساؤلات حول كيفية الحفاظ على تماسك الأسرة أمام الأزمات، كما يجعل المشاهدين يتأملون في عمق العلاقات الأسرية وكيف تتغير تحت تأثير الضغوط.
الأمل والتضحية «المخدوعون» فيلم سوري صدر العام 1972، إخراج المصري توفيق صالح، عن رواية «رجال في الشمس» للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، أحد أهم مئة فيلم في السينما العربية.
يقدم «المخدوعون» تساؤلات فلسفية حول قيمة الجهد والتضحية في حياة الأفراد، وجسدت النهاية المفتوحة الصراع بين الطموحات الشخصية والواقع القاسي، وتركت المشاهد أمام فكرة أن السعي لتحقيق حياة أفضل قد لا يكون له نهاية.
الزمن والهوية 
أحدث هذه النوعية من الأعمال، فيلم «أهل الكهف» الذي عرض العام الحالي، إخراج عمرو عرفة، عن رواية توفيق الحكيم، ويسلط الفيلم الضوء على كيفية تعامل الإنسان مع مشاعر الانفصال والتشتت في عالم غريب ومختلف عن كل ما عرفه، ويواجه «أهل الكهف» صراعات داخلية حول هويتهم ومكانهم في العالم الجديد، وطرحت النهاية المفتوحة تحديات حول فهم الذات والعالم، وتركت تساؤلات حول الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال.
العقل والجنون 
فيلم «الفيل الأزرق»، الذي أخرجه مروان حامد عن رواية أحمد مراد، عرض في 2014، بطولة كريم عبد العزيز، خالد الصاوي، يتناول التوتر بين العقل والجنون. وتعمق النهاية المفتوحة التجربة النفسية للجمهور، وتتيح التأمل في حدود العقل البشري وتفهم الصراعات النفسية.
فيلم «أرض النفاق»، إخراج فطين عبد الوهاب العام 1968، عن قصة يوسف السباعي، يعرض حياة مسعود أبو السعد، الموظف البسيط الذي يسعى لتحسين وضعه الشخصي والاجتماعي، والنهاية المفتوحة تعكس التوتر بين الرغبات الشخصية والواقع من خلال الفكاهة، ويعزز التجربة النفسية بنظرة ساخرة حول تأثير الأخلاق على سلوك الأفراد وتفاعلاتهم مع المجتمع.  
دور محوري
ترى الناقدة الفنية منة عبيد، أن النهايات المفتوحة في السينما العربية تلعب دوراً محورياً في تعزيز تجربة المشاهد، إذ تتيح طابعاً تفاعلياً فريداً، كما يتيح هذا الأسلوب القصصي للجمهور فرصة للتأمل العميق في الأحداث وتفسيرها بطرق شخصية، مما يضيف أبعاداً أدبية وثقافية تعزز من قيمة العمل السينمائي.  وتشير عبيد إلى أن النهايات المفتوحة تخلق مساحة للتفكير العميق وتساؤلات فلسفية ونفسية معقدة، مما يجعلها أداة قوية للتفكير والتحليل. 
من جانبه، يشير أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة أيمن عامر، إلى أن النهايات المفتوحة تعكس تساؤلات فلسفية تتعلق بطبيعة الوجود والواقع، وأداة فعالة للتفكير وإعمال العقل، وتجسد الصراعات النفسية بشكل دقيق، مما يساعد المشاهدين على فهم مشاعرهم وتجاربهم الشخصية، وتمنح الجمهور فرصة لاستكشاف أعماق النفس البشرية وتفاعلاتها مع محيطها، مما يضيف عمقاً وثراءً للتجربة السينمائية.