أبوظبي -(وكالات) المحيط هو أحد أكثر الأماكن غموضًا وإثارة للاهتمام على كوكب الأرض. على الرغم من أن المحيطات تغطي حوالي 71% من سطح الأرض، إلا أن جزءًا كبيرًا منها لا يزال غير مكتشف بالكامل، خاصة أعماق المحيطات.

وتشكل هذه الأعماق بيئة غريبة تختلف بشكل كبير عن أي شيء نعرفه على سطح الأرض، حيث تتميز بظروف بيئية قاسية مثل الضغط الهائل ودرجات الحرارة الباردة، إلى جانب الظلام الدامس الذي يسود معظم مناطقها.

واكتشف علماء ديداناً عملاقة موجودة تحت القشرة الأرضية في قاع المحيطات، واستنتجوا في دراسة نشرت  في مجلة "نيتشر" أن المنظومة البيئية للأعماق البحرية أوسع مما كان يُعتقد. 

من منا لم يرفع حجراً مدفوناً في التراب ليكتشف عالماً يعج بالحياة؟ هذا ما فعله فريق من الباحثين على عمق 2515 متراً قبالة سواحل أميركا الوسطى، على مستوى سلسلة جبال شرق المحيط الهادئ.
تحت هذه السلسلة الجبلية تحت الماء، والتي تعبر المحيط الهادئ من الشمال إلى الجنوب، تتحرك صفيحتان تكتونيتان بعيداً عن بعضهما البعض، ما يؤدي، من بين أمور أخرى، إلى إيجاد فتحات حرارية مائية تُسخّن من خلالها المياه بواسطة الصهارة وتُحمّل بالمركبات الكيميائية.
واحات تحت الماء
تكتنز الواحات تحت الماء، والتي لم يُكتشف وجودها إلا في سبعينيات القرن العشرين، تنوعاً بيولوجياً فريداً. وتزدهر ديدان أنبوبية عملاقة (تبني أنبوبا تعيش فيه) وبلح البحر هناك تحت ضغط أكبر بـ250 مرة من ذلك الموجود على السطح، وفي ظل ظلام دامس، في تكافل مع البكتيريا التي تنتج العناصر الغذائية من المعادن.
وقد سعى فريق العلماء إلى فهم كيفية انتقال يرقات الدودة الأنبوبية، واستعمارها بسرعة لحقول الفوهات الحرارية المائية الجديدة بعد ثوران بركاني.

وقالت أستاذة العلوم البحرية في جامعة فيينا مونيكا برايت المشاركة في إعداد الدراسة: "افترضنا أن اليرقات... قد يدفعها الماء البارد من أعماق القشرة، حيث يمتزج هذا الماء مع السائل الموجود في المداخن قبل أن تُطرد إلى السطح وتستقر هناك". 


نظام بيئي للحماية
ولجمع عينات من هذا العمق، استخدم الفريق مركبة تحت الماء يمكن تشغيلها من بُعد، ومصممة لاستكشاف أعماق البحار، ومجهزة بكاميرات وأذرع مناورة وإزميل كبير لحفر الصخور وتحويلها.
وفي محاولة لجمع البعض منها، اكتشف وجود تجاويف تحتها" وأدركنا أنها كانت تعج بالكائنات الحية، من ميكروبات ويرقات، ولكن أيضا ديدان بالغة، وبطلينوس (نوع من الرخويات) وحيوانات متنقلة مثل متعددات الأشواك (نوع من الديدان الحلقية) أو بطنيات الأقدام (قواقع بحرية).


وأضافت "يظهر اكتشافنا أنه يمكننا تحقيق اكتشافات غير متوقعة، حتى على كوكبنا، في أماكن محددة تمت دراستها منذ أكثر من 30 عاما، وذلك ببساطة لأنه لم يفكر أحد في البحث عن حيوانات في القشرة الأرضية من قبل". 
في هذه الكهوف التي يبلغ ارتفاعها حوالي 10 سنتيمترات، والتي تؤوي إحداها ديدانا يصل طولها إلى 41 سنتيمتراً، هناك ظروف قريبة من تلك الموجودة على السطح بالقرب من المداخن ومواتية لنمو اليرقات، مع "حرارة تصل إلى 25 درجة مئوية، وأكسجين وكبريتيد الهيدروجين السام بتركيزات معتدلة".

وبذلك يبدو أن "اليرقات يمكن أن تنتشر في التجاويف لتستعمر شقوق الحمم البركانية وقاع المحيط، أو حتى تستقر هناك وتنمو ككائنات بالغة، وبالتالي تصبح حيوانات دائمة في الفتحات الضحلة في الجزء السفلي"، وفق معدي الدراسة.

وأضافت "نعتقد أنه قد لا يتم العثور على الحيوانات في أعماق كبيرة، لأننا نفترض أن الظروف تصبح أكثر تطرفا كلما تعمقنا أكثر، مع درجات حرارة أعلى، وأكسجين أقل، وتركيزات أعلى من كبريتيد الهيدروجين وزيادة في الحموضة، ومع ذلك، نعتقد أن الامتداد الأفقي يمكن أن يكون كبيرا جدا".
ونبّهت برايت إلى أن "من المهم معرفة من يعيش هناك وأين، حتى نتمكن من حمايتها من التعدين في أعماق البحار. هذه الحياة البرية فريدة من نوعها ويجب حمايتها".

الأهمية البيئية لقاع المحيط
قاع المحيط له أهمية بيئية كبيرة، حيث يلعب دورًا حيويًا في تنظيم المناخ ودورة الكربون. فهو يعمل كخزان طبيعي يمتص كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون من الجو، مما يساعد في تنظيم درجات حرارة الأرض. كما أن الرواسب البحرية تعتبر موطنًا للعديد من الكائنات التي تلعب دورًا في السلسلة الغذائية البحرية.