محمد عبدالسميع (الشارقة)
خطوط كثيرة تعلق بالوجدان وتألفها العين، بل تظلّ على اتصال بجمالية الإبداع وروعة المعنى وشكل الحرف، حيث شكل الحرف هو محط الإبداع والتجليات في ملتقى الشارقة للخط في دورته الـ 11، والتي تستمر حتى الثلاثين من نوفمبر المقبل، في حركة عربية عالمية وإبداعات إماراتية وخليجية تصطفّ جنباً إلى جنب مع هذه التوليفة المختارة بعناية لملتقى، أقل ما يقال عنه إنه جامعٌ لعيون كثيرة، وأيدٍ عديدة، اتفقت على أن تتغزل بالحرف العربي، ووجه الغزل هنا هو الاستخدام والتلوين والحفاوة بالخطوط، والتقاء المدارس لكبار الفنانين الذين جعلوا من تلاميذهم امتداداً لهم، وأثّروا في أجيال كاملة في عشق الخط واتخاذه أسلوب حياة ونوافذ للأفكار.
وفي نظرة على مشتملات الملتقى وضيوفه ومعارضه وندواته والمؤسسات الداخلة في تنظيمه واستضافته، فإنّ التقاطات الضيوف والمهتمين والإعلاميين والجمهور المثقف، ستكون حافزاً لدورات قادمة تبني على هذا النجاح وتؤسس عليه.
ابتكار الجديد
أمّا القرآن الكريم، كلام الله المنزل، المعجز، المتعبد بتلاوته، فسيكون مجالاً للتدبّر الجمالي وتدبّر الفكرة الربانية في معنى الآيات التي ألهمت الفنانين، وشحذت همة الأيدي والعقول على ابتكار الجديد مما يعبّر به الخطاط عن إعجابه بالرونق والأصالة والكلمة الطيبة المؤثرة، والتي تضع الخطاط العربي ومثله الأجنبي موضع احترام آيات القرآن الكريم، وكذلك الأقوال المأثورة أو الأحاديث النبوية الشريفة التي يبادر الفنان إلى العمل عليها، وعرضها جماليّاً للجمهور بطريقة إبداعية.
عنوان الملتقى، الذي يجيء برعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وتوجيهه بأن يجمع ما بين الإبداع والتدريب والجهود العاملة في الخطّ العربيّ على مستوى العالم، حمل هذا العام مسمّى «التراقيم»، وفتحت لجنة الملتقى آفاق الضيوف والإعلاميين والمهتمين بتجليات التسمية وجذورها اللغوية، واستخداماتها في الشعر والنثر، والمفهوم الفني أيضاً في الثبات والفنون الرقميّة المستخدمة في الخط، من خلال تحويل الحروف كوحدات بصرية في نظام رقمي دقيق أو من خلال استلهام علامات الترقيم كمعايير للخط.
دور المبدعين
وإذا كان التكريم في أيّ مهرجان أو ملتقى، تقليداً راسخاً، اعترافاً بدور المبدعين، فإنّ ملتقى الشارقة للخطّ ليس استثناءً من ذلك، في احتفائه هذه المرة بخطاط إماراتي وآخر عراقي وثالث إسباني، وكلٌّ منهم كرّس نفسه كتجربة تستحق الإشادة والتكريم، كما في حالة الفنان خالد علي الجلاف من الإمارات العربية المتحدة وتحويله الحروف إلى صور ومشاهد فنية، والأستاذ الدكتور إدهام محمد حنش من العراق صاحب العديد من المؤلفات في الخط وكتابته، والفنان الدكتور خوسيه ميجيل بوتريا، وتأثّره الكبير باللغة العربية وتاريخ الفكر الجمالي العربي.
كما جاءت لجنة فرز الأعمال مكونةً من متخصصين من الإمارات وسوريا ومصر والعراق والسعودية، إضافةً إلى لجنة التحكيم من دول العراق وألمانيا والمغرب وسوريا والأردن، وقطر.

زخرفة مذهّبة
وفي الملتقى تشارك أعمار من سن الشباب، والرواد أيضاً الذين لهم تجربتهم الفنية في كتابة الخط، كما برزت الزخرفة من أساليب خطية ذات جمال في الشكل والمعنى، وسنجد الزخرفة المذهّبة حاضرةً بطبيعة الحال.
أمّا المكان، فيتنوع في احتضان الأعمال والندوات والورشات، حيث نكون في أكثر من مكان يتعرف عليه الزائر العربي والأجنبي، ومنها ساحة الخط، ومتحف الشارقة للخط، وبيوت الخطاطين، ومركز الشارقة لفن الخط العربي والزخرفة، ودار الندوة، وجمعية الإمارات لفن الخط العربي والزخرفة الإسلامية، وبيت الخزف، ومتحف الشارقة للفنون، والجادة، وجمعية الإمارات للفنون التشكيلية، وكلية الشارقة للفنون، وبيت الحكمة، وجمعية الإمارات للتصوير الضوئي، وجمعية الاتحاد النسائية في الشارقة، ومسجد الهدى- الخالدية، ومسجد النور البحيرة، ومكتبة الشارقة العامة، ومسجد الماجد- الممرز، ومسجد الشيخ محمد صالح بن عثيمين، ومسجد الشيخ راشد بن أحمد القاسمي، ومسجد الشارقة الكبير، ومركز التسوق 06.
ورش وندوات
أمّا الورشات والندوات والمحاضرات، فقد كثّفت إدارة الملتقى لهذا العام منها، بحيث تعطي دورةً نوعيّةً وحيّة وتدريباً مفيداً للحضور، وهي ندوات وورشات كثيرة، فمن ندوات الملتقى «ندوة الخط العربي- مناهج ومدارس»، كما يمكننا أن نذكر من ورشات العمل العديدة: «تصميم شعار الملتقى»، «تراقيم بالخط السنبلي بالفن الرقمي»، «تركيب متداخل من دون ترقيم بخط الرقعة الجلي»، «توقيع الأعمال الخطية»، «تصميم لوحات حروفية بخامات مختلفة»، «تركيب دائري بالخط الديواني الغزلاني الجلي»، «أشكال حرف الكاف في خط الرقعة»، «جماليات السطر في خط الديواني الجلي»، «التذهيب والزخرفة»، «التذهيب المعاصر وتقنياته»، «تصوير الخط العربي»، «الخط العربي بين التقليدي والرقمي»، «البناء والتكوين في العمل الحروفي»، «كتابة لوحة حروفية معاصرة بالبرامج الرقمية»، وغيرها.
وإذا نظرنا في هذه الورشات، سنجد أنّها مهتمة بفنيّات الخطوط ومبادئ الكتابة على الورق المقهّر، وكتابة البسملة بالخطّ الديواني، وكذلك اللوحة الحروفيّة بتقنية الكولاج، وغيرها.
كما سنكون مع محاضرة «فنون الصورة الصحفية»، وكذلك محاضرة حساب «الجمل»، وسوف نتعرّف على موضوع رسم التكوين الزخرفي على القماش من خلال ورشة متخصصة، وكذلك ورشة تواقيع الخطاط وأسس تصميمه وشكله وكيفية رقمه، إضافةً إلى العديد من هذه الورشات والمحاضرات والندوات الحيّة.
حضور عالمي
بقي أن نشير إلى العدد الوافر والكبير للفنانين المشاركين في هذه الدورة، إضافةً إلى مشاركة دول للمرة الأولى، مثل المكسيك وإندونيسيا وسنغافورة، إذ أصبح ملتقى الشارقة للخط ذا حضور على المستوى العالمي، وكما أكد مدير إدارة الشؤون الثقافية في دائرة الثقافة بالشارقة محمد إبراهيم القصير، فإنّ الملتقى نظّم في دورته الحالية أكثر من 600 عمل فني لـ 260 فناناً من مختلف دول العالم، و94 فعالية من معارض وورش فنية ومحاضرات وندوات تستضيفها دائرة الثقافة، مع أكثر من 30 جهة ومؤسسة في الشارقة.