محمد نجيم (الرباط)
ضمن مشروع «مائة كتاب وكتاب»، الذي يرعاه معهد العالم العربي في باريس، وجائزة الملك فيصل والمركز الثقافي للكتاب، أصدرت الكاتبة المغربية لطيفة لبصير كتاب «لودفيغ دويتش»، الذي يسبر أغوار حياة وفن الفنان النمساوي الفرنسي لودفيغ دويتش، العلامة المميزة في الفن الاستشراقي، والتي تُبرز أهمية فنّه.
تفاصيل عميقة
تقول لطيفة لبصير: «حين شرعتُ في الاشتغال عليه، لم أجد أي مكتوب شخصي عن نفسه وعن طريقته في الصوغ الفني، خاصة وأنه لم يكن من الفنانين الذين يتحدثون عن فنّهم وذواتهم، فما عُرف عن عوالمه الفنّية أو اشتغاله كان من اجتهاد الباحثين والمفكرين والأكاديميين الذين استهوتهم تقنياته وتفاصيله العميقة في نقل الحياة العربية الإسلامية إلى الفنّ، ورغم ذلك، لا نجد كتاباً خاصاً بأعماله الفنّية، أو تأويلاً لما جاد به إبداعه، بل أغلب ما كتب عنه كان ضمن أعمال أخرى، مع فنانين آخرين يمثلون الاستشراق الفنّي.
حالة غموض
وتمثل حياة هذا الفنان حالة غموض وقف عليها بعض الباحثين، حيث صوّر لودفيغ دويتش الإنسان العربي في جل مناحي الحياة الدينية والمعرفية، في ظل غموض آسر، كذلك سر عزلته، ظل نقطة غامضة في حياته، غير أن أعماله الفنية جعلته يحظى الآن بمنافسة قوية في العديد من المقتنيات والمبيعات، وذلك لقدرته البالغة على إدهاش المتلقي الذي كشف أسرار الإنسان العربي من خلال أعمال هذا الفنان. ودويتش، رغم حصوله على الجنسية الفرنسية، فإن العديد من الأبحاث لا تضعه على قدم المساواة مع الفنانين الفرنسيين.
والفنان المستشرق لودفيغ دويتش أثار دوماً اختلاف بعض الباحثين، لكن رغم ذلك، جلّهم يؤكد على أنه قدم رؤية مختلفة وعوالم توثيقية للشرق، برؤية واضحة، إذ تُبرز النساء في أعماله مكافحات في حياتهن اليومية، أما العاصمة المصرية القاهرة فلها عنده اهتمام خاص، جعله يحظى بالكثير من الألقاب، لعل أهمها أنه «ملك التفاصيل وأسير القاهرة».
سحر الشرق
إن هجرة الكثير من الأسماء الأدبية والفنية اللامعة إلى الشرق، أمثال جوتييه ونرفال وفلوبير وديلاكروا ولودفيغ دويتش، تعود إلى الرغبة في اكتشاف سحره أولاً، وإلى تزامن القرن التاسع عشر مع ظهور الرومانسية وتصاعدها، ثانياً، وكان الشرق بما يحمله من تمثلات لدى المبدع حقلاً خصباً لهذا النزوع وهذه المغامرة.
«عائلة أمام الباب»
أما في لوحة «عائلة أمام الباب» فنلاحظ امرأتين، واحدة تمسك بيدها جرة، والأخرى جالسة القرفصاء، وقد حملت بذراعها طفلاً صغيراً، أما الرجل فهو يقف أمام باب المنزل الذي يحمل رقم (44) بالحروف العربية، وبابه خشبي يميزه نقش عربي، وجداره تميّزه هندسة أصيلة، أما المرأة الواقفة، فهي شبيهة بتمثال قوي وجميل، فهي تبدو كمنحوتة غارقة في التأمل، وهي أشبه بأسطورة إغريقية.
ومن الواضح أن لوحات دويتش تصور حياة المصريين والشرق، وعاداتهم في حمل أطفالهم، أو الجرار التي يملؤونها بالماء، أو الوقوف أو الجلوس أمام باب البيت بتلك الصيغة التي تُبرز عاداتهم في الحياة، والتي تبدو كأنها مظهر من مظاهر العيش لدى المصريين في تلك الفترة».