هزاع أبوالريش (أبوظبي) 
مثلت المرأة عبر الثقافات المختلفة حضوراً مهماً ومؤثراً في سرد الحكايات الشعبية، واستخدامها الخرافة في بناء السرد المحكي، ما أعطى وصفاً بليغاً وجمالية وإثارة للحبكة السردية في المرويات، وقدمت خلال هذا الأداء قوالب محملة بالقيم والتقاليد، وهو ما جعلها مصدراً ثقافياً وتعليمياً للطفل.

بداية يؤكد الدكتور عبدالعزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، أن المرأة استخدمت الخرافة «الأسطورة» في بناء السرد المحكي لأنها هي مصنع الحكاية كما يقال، فالنساء كن يجلسن في البيت ويصنعن الحكايات من أجل أسلوب مميز في التربية، وهذا الأسلوب يسمى «التربية بالمثل»، أي أن بطل الحكاية دائماً يكون هو المثال والنموذج الذي يتربى على أخلاقه الطفل، وكما نعرف أن الحكاية تمر بأطوار، فبداية الحكاية في السنين الأولى للطفل تكون مغناة، ويأتي من ضمنها ما يسمى السجع الغنائي الذي تعتمد عليه الأم في تمرير كثير من الحكم وأساليب التربية عبر الأغنية مثل: «خريريفة مجيريفة- سبع قطيوات معلقات في التنّور، والتنور يبغي حطباً، والحطب في السَّمرة، والسَّمرة تبغي جدوماً..» إلخ، فمثل هذه الحكاية المغناة الطويلة يوجد بها الكثير من الإضاءات التربوية في الحقيقة. 
ويضيف المسلم: النساء لديهن من البلاغة ما يؤهلهن لأن يكن أمهات مربيات وفضليات قادرات على نقل الرسالة التربوية في أعلى صورها ومراتبها العالية في المحتوى والمضمون القصصي، ولديهن من الثقافة الشعبية ما يجعلهن ذوات ثقة في جذب الطفل وتلقينه حتى يستفيد من هذه الأفكار التي تصب في خدمة مهاراته الحياتية، والتعلم منها.
وتابع المسلم: الكثير من إصداراتي وأبحاثي الأدبية تناولت قيمة المرأة ودورها في بناء مراحل الطفولة، وتأسيس الأبناء لأنهن المبدعات والمؤلفات الحقيقيات للحكايات، وكما يقال فهي المحور الرئيسي في الحكايات، وفي الكثير من الصوّر الشعبية للأبطال الخياليين. فالآن الروايات الشعبية تكاد تكون منحسرة تماماً، وهي غير منقولة بسبب انتقال ما يسمى بـ«الأدب الشعبي» للكتب، فأنا شخصياً دوّنت مئات الحكايات والخراريف والأساطير، وهذا إنما يدل على انتهاء هذه الحكايات من دورها الشفاهي وأصبحت الآن مكتوبة، وهذا ما حجم هذا الأمر. وفي اعتقادي فإن الحكايات الشعبية يمكن أن تعود الآن بشكل رسمي، وليس شعبياً، من خلال الجهود التي تقوم بها بعض المؤسسات الثقافية والمعنية بالتراث الإماراتي مثل معهد الشارقة للتراث في أيام الشارقة التراثية، أو في ملتقى الشارقة الدولي للراوي، وكذلك من خلال المدرسة التي أنشأها المعهد، وهي المدرسة الدولية للحكاية، حيث إنها تهتم بزيارة المدارس وفي العديد من المناسبات لإنتاج رواة جدد من الأطفال وأيضاً لتروي وتسرد لهم الحكايات الشعبية التي تمدهم بالأفكار، وتحسن من سلوكهم التربوي وتؤثر على أسلوب حياتهم بشكلٍ إيجابي وبنَّاء.

قوة الطرح
من جانبه، يقول الحكواتي عبدالناصر التميمي، إن البلاغة لدى النساء في نقل الحكايات وسرد القصص الشعبية، بلا شكل هي بلاغة موروثة نقلاً عن والدتها، والوالدة عن الجدة، فهذه التسلسلية جعلت هناك تراكمية ثقافية تعزز عملية الرؤية السردية والبلاغية في نقل الصورة الخيالية للمستمع، «الطفل»، فهذه التسلسلية أعطت للفكرة القصصية القوة في الطرح، لأنها جاءت بطريقة عفوية تناقلتها الأمهات من حينٍ إلى حين، وتعاقبت عليها الأفكار فخرجت منتظمة من أفواههن مسترسلة لتلامس مشاعر الابن وتؤثر عليه إيجاباً لينتفع من تلك الحكايات وتسكن في ذهنه ووجدانه. فمن هنا نجد أن البلاغة لدى النساء وخاصة في الحكايات الشعبية منقولة، فالمسألة تسلسلية تراكمية جاءت من غيرهن إليهن، وهكذا تستمر السردية في النقل من الجدة إلى الأم إلى البنت..إلخ. مضيفاً: غياب الأب وانشغاله بطلب الرزق منذ القدم، شكل حضور المرأة ودورها السردي في كيان الابن، وفي ضمير ثقافة الحكاية الشعبية لأنها حملت على عاتقها مسؤولية الأبناء، والاهتمام بهم، وكيفية إشغالهم حتى يناموا مبكراً كي تستطيع هي الانشغال بتفاصيل المنزل ومتطلبات الحياة اليومية دون أي توتر أو قلق وسط وجودهم، فخرجت تلك الحكايات لحاجة المرأة لهذه الطمأنينة وسرعة نوم الابن، بالإضافة إلى تسخير أسمى الرسائل الإنسانية البناءة وأنبلها لتدعم الحكاية وتجعلها قالباً محملاً بالقيم يدعم منظومة ثقافة الابن وممارساته الحياتية.

وسيلة تعبير
تبيّن فاطمة سلطان المزروعي، كاتبة وباحثة، أنه في الماضي استخدمت المرأة الحكاية والخرافة والأسطورة كوسيلة للتعبير عن المجتمع الذي تعيش فيه، حيث إن المرأة لديها الكثير من المسؤوليات المرتبطة بالعائلة وتربية أطفالها مما يحتم عليها البقاء بقرب أطفالها والاعتناء بهم وفق التقاليد والعادات، وبالتالي تنسج الحكايات الأسطورية وتسقط الأحداث عليها وفق ما يقتضيه الحدث سواء أكان للتسلية أو للتربية، فمثلاً عند سقوط سن الطفل تقوم الأسرة بدفنه إيماناً منها بأنه سوف يجلب الخير للطفل، وعند نوم الطفل تقوم الأم بالغناء بهدهدة معينة لها تأثير على نوم الطفل، وكذلك هناك عرف لدى الجدات في الماضي بنقلهن للقصص والخراريف مثل «بديحة» و«أم الدويس» و«سلامة وبناتها» وغيرها من الحكايات التي تهدف إلى تربية الطفل وتعزيز مفاهيم الخيال لديه وتناسب المجتمع البدوي، ما يجعلها مادة خصبة لتأليف الحكايات التي تنتشر عبر أفواه الناس وترحالهم. 
وتضيف: كان النساء يستخدمن الشعر والأدب في التعبير عن أفكارهن ومشاعرهن بطريقة مبدعة وخلابة وكانت تلك القدرة على التعبير علامة على لغوية ومهارة تم اكتسابها عن طريق الوراثة والاحتكاك بأسرهن، كما أن العودة إلى الطبيعة البدوية الصحراوية تحفز الخيال وتشجع على اكتساب مهارات اللغة وتزوّد بالمفردات اللغوية، لذلك نجد أن أغلبية القصص تأتي من أفواه النساء.